الخميس، 1 أبريل 2010

كرامات لو كانت لاهل البيت عليهم السلام لكفرونا


كشير ما يشنع الوهابية علينا عندما يجدون كرامات ومعجزات لاهل بيت النبوة صلوات الله عليهم في كتبنا. وفي الواقع يرون مثل هذه الكرامات والمعجزات لعلمائهم.

فلذلك قد قمت بنقل كرمات وخرفات نسبها اهل السنة الى علمائهم من "كتاب الغدير للعلامة الكبير والشيخ الجليل عبد الحسين الاميني" رحمة الله على روحه الطاهرة

اليكم خرافات وغلو اهل السنة غي علمائهم من كتاب الغدير ج 11




الغلو الفاحش

هاهنا ننهي البحث عن المغالاة في مناقب الخلفاء، ويهمنا عندئذ أن نوقف القارئ على شرذمة قليلة من الكثير الوافي مما نسجته يد الغلو من قصص الخرافة، وما لفقته الأهواء والشهوات من فضائل أناس من القوم منذ عهد الصحابة وهلم جرا، ونلمسك باليد الغلو الفاحش :

- 1 -


زيد بن خارجة يتكلم بعد الموت

أخرج البيهقي بإسناده عن سعيد بن المسيب : إن زيد بن خارجة الأنصاري توفي زمن عثمان بن عفان فسجي بثوبه، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم ثم قال : أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق، الضعيف في نفسه، القوي في أمر الله في الكتاب الأول، صدق صدق عمر بن الخطاب القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم مضت أربع وبقيت ثنتان أتت بالفتن وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة، وسيأتيكم عن جيشكم خبر بئر أريس، وما بئر أريس ؟ .
وفي لفظ آخر من طريق النعمان بن بشير قال : الأوسط أجلد الثلاثة الذي كان لا يبالي في الله لومة لائم، كان يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك في الكتاب الأول .
ثم قال : عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان وبقي أربع، ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا، فلا نظام وانتجت الأكما، ثم ارعوى المؤمنين وقال : كتاب الله وقدره، أيها الناس : أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا، فمن تولى فلا يعهدن دما وكان أمر الله قدرا مقدورا، الله أكبر هذه الجنة وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون : سلام عليكم، يا عبد الله ابن رواحة ! هل أحسست لي خارجة لأبيه وسعدا اللذين قتلا يوم أحد ؟ كلا إنها

/ صفحة 104 /

لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى . ثم خفت صوته . فسألت الرهط عما سبقني من كلامه فقالوا : سمعناه يقول : أنصتوا أنصتوا . هذا أحمد رسول الله، سلام عليك يا رسول الله ! ورحمة الله وبركاته .
أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله كان ضعيفا في جسمه قويا في أمر الله صدق صدق، وكان في الكتاب الأول إلخ وفي لفظ القاضي في الشفا : قال : انصتوا انصتوا .
محمد رسول الله النبي الأمي و خاتم النبيين كان ذلك في الكتاب الأول .. الخ .
راجع الاستيعاب 1 : 192، تاريخ ابن كثير 6 : 156، الشفا للقاضي عياض، الروض الأنف 2 : 370، الإصابة 1 : 565، ج 2، 24، تهذيب التهذيب 3 : 410، الخصائص الكبرى 2 : 85، شرح الشفا للخفاجي 3 : 108 فقال : هذا مما روته الطبراني وأبو نعيم وابن مندة و رواه ابن أبي الدنيا عن أنس .
وحكاه ص 105 عن ابن عبد البر وابن سيد الناس وابن الأثير والذهبي وابن الجوزي وابن أبي الدنيا .
قال الأميني : نعمت الدعاية إلى مبادئ اعتنقها القوم ولم يقتنعوا بابتداعها حتى دعموها بأمثال هذه، وللمنقب أن يسهب في القول هاهنا لكنا نحيله إلى روية القارئ ولنا أن نسائل صاحب هذا المهزأة : هل القيامة قد قامت يوم مات فيه ابن خارجة فكلم الله فيه الموتى ؟ أو كان ذلك جوابا عن مسائلة البرزخ قد سمعه الملأ الحضور ؟ أو أن عقيدة الإمامية في مسألة الرجعة قد تحققت فرجع ابن خارجة - ولم يكن رجوعه في الحسبان - لتحقيق الحقايق، غير أن تحقيقه إياها لم يعد التافهات ؟ وهل كان ابن خارجة متأثرا من عدم إشادته بأمر خلافة الخلفاء إبان حياته وكان ذلك حسرة في قلبه حتى تداركه بعد الموت، وكان من كرامته على الله سبحانه أن منحه بما دار في خلده وهو ميت ؟ أو أن الله تعالى كلمه لإقامة الحجة على الأمة وأراه من الكتاب الأول ما لم يره نبيه الرسول الأمين، وأرجأ هذا البلاغ لابن خارجة ومنحه ما لم يمنحه صاحب الرسالة الخاتمة ؟ وليت شعري لو كان ابن خارجة كشفت له عن الحقايق الراهنة الثابتة في الكتاب الأول، وأذن له ربه أن يبلغ أمة محمد صلى الله عليه وآله ما فيه نجاحها ونجاتها، فلما ذا أخفى عليها اسم رابع الخلفاء الراشدين - أو الخليفة الحق - ولم يذكره ؟ ! أو من الذي أنساه إياه فجاء بلاغا مبتورا ؟ أفتراه لم يأت ذكره في الكتاب الأول وما صدق وما

/ صفحة 105 /

صدق، وهو نفس النبي الأعظم في الكتاب الثاني، والمطهر بآية التطهير، وقد قرنت ولايته بولاية الله وولاية رسوله ؟ إن هذا لشئ عجاب .
ولعلك لا تعجب من هذه الهضيمة بعد ما علمت أن سلسلة هذه الرواية تنتهي إلى سعيد بن المسيب ونعمان بن بشير وهما هما، وقد أسلفنا البحث عنهما وأنهما في طليعة مناوئي أمير المؤمنين عليه السلام : وهنا مشكلة أخرى لا تنحل ألا وهي : إن ابن خارجة توفي في عهد عثمان و أيام خلافته، فهل الصحابة العدول أو عدول الصحابة رأوا هذه المكرمة من كثب و صدقوها وأذعنوا بنبأ ابن خارجة العظيم، ثم نسوها مع قرب عهدهم بها كما نسوا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم في مائة ألف أو يزيدون، وأصفقوا على بكرة أبيهم المهاجر منهم والأنصار على قتل عثمان بعد تلك الحجة البالغة وما شذ منهم محتجا على المتجمهرين عليه بنبأ ابن خارجة، كأن لم يكن شيئا مذكورا ؟ وأنت تعرف مقدار عقلية أولئك الحفاظ ومكانتهم من العلم والدين والثقة بروايتهم أمثال هذه المخازي وعدهم إياها من الصحاح والمسانيد، قاتل الله الحب المعمي والمصم .

- 2 -


أنصاري يتكلم بعد القتل

أخرج البيهقي في عد من تكلم بعد الموت قال : أنا أبو سعيد بن أبي عمر : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب : ثنا يحيى بن أبي طالب : أنا علي بن عاصم : أنا حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عبيد الأنصاري قال : بينما هو يوارون القتلى يوم صفين أو يوم جمل إذ تكلم رجل من الأنصار من القتلى فقال : محمد رسول الله . أبو بكر الصديق عمر الشهيد، عثمان الرحيم . ثم سكت (1) .
قال الأميني : في الاسناد يحيى بن أبي طالب، قال موسى بن هارون : أشهد أنه يكذب عني في كلامه (2) وعلي بن عاصم قال خالد الحذاء : كذاب فاحذروه . وعن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ ابن كثير 6 : 158 .
(2) لسان الميزان 6 : 262 .


/ صفحة 106 /

شعبة أنه قال : لا تكتبوا عنه . وعن يحيى بن معين : كذاب ليس بشئ : وعنه : ليس بشئ ولا يحتج به، ليس ممن يكتب حديثه، وقال يزيد بن هارون : ما زلنا نعرفه بالكذب وقال البخاري : ليس بالقوي عندهم (1) .
والنظر في المتن لدة النظر في سابقه فيأتي هاهنا جميع ما ذكر هنالك فليس القتيل الأنصاري عن ابن خارجة ببعيد .

- 3 -


شيبان يحيي حماره

عن الشعبي قال : خرج رجل من النخع يقال له : شيبان في جيش على حمار له في زمن عمر، فوقع الحمار ميتا، فدعاه أصحابه ليحملوه ومتاعه فامتنع، فقام فتوضأ ثم قام عند رأسه فقال : أللهم إني أسلمت لك طائعا، وهاجرت مختارا في سبيلك ابتغاء مرضاتك، وإن حماري كان يعينني ويكفيني عن الناس، فقوني به، وأحيه لي، ولا تجعل لأحد علي منة غيرك .
فنفض الحمار رأسه وقام فشد عليه ولحق بأصحابه .
وذكر ابن أبي الدنيا من طريق مسلم بن عبد الله النخعي قصة مثل هذه وسمى صاحب الحمار نباتة بن يزيد .
وأخرج الحسن بن عروة قصة حمار عن أبي سبرة النخعي وقال : أقبل رجل من اليمن .. الخ .
تاريخ ابن كثير 6 : 153، 292، الإصابة 2 : 169 .
قال الأميني : ليس عزيز على الله أن يخلق في مجاهيل أمة محمد صلى الله عليه وآله في عسكر عمر من يضاهي روح الله عيسى بن مريم يحيي الموتى بإذنه ولو كان المحيى حمارا، غير إن هذه وأمثالها تخص برجال زمان أبي بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم بمن يحبهم و يعتنق ولائهم، وإن جاء حديث في كرامة غيرهم فمن الصعب المستصعب قبوله، والعقل والشرع والمنطق والبرهنة تأباه، وهنالك يحق كل جبلة ولغط، ويجري كل ما يتصور من المناقشة في الحساب لماذا هي كلها ؟ أنا لا أدري وإن كان المحاسب يدري .
وللقوم قصة حمار عدوها من دلائل النبوة ذكرها ابن كثير بالإسناد المتصل في تاريخه 6 : 150 ونحن نذكرها محذوف السند ونحيل البحث عنها إلى أولي الألباب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تهذيب التهذيب 7 : 345 - 348 .


/ صفحة 107 /

من الأمة المسلمة .
عن أبي منظور قال : لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج بغال، وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواق ذهب وفضة، وحمار أسود ومكتل، قال : فكلم النبي صلى الله عليه وسلم الحمار، فكلمه الحمار فقال له : ما اسمك ؟ قال : يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا كلهم لم يركبهم إلا نبي، لم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وقد كنت أتوقعك أن تركبني، قد كنت قبلك لرجل يهودي، وكنت أعثر به عمدا، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سميتك يعفور، يا يعفور ! قال : لبيك . قال : تشتهي الإناث ؟ قال : لا .
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كان لأبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره جزعا منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- 4 -


عصا أسيد وعباد

عن أنس : كان أسيد بن حضير، وعباد بن بشر عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس، فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها، فلما افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر .
صحيح البخاري 6 : 3، إرشاد الساري 6 : 154، طرح التثريب 1 : 35، أسد الغابة 3 : 101، تاريخ ابن كثير 6 : 152 .
قال الأميني : أتصدق إن أحدا لم يكن من علية الصحابة كانت له هذه الكرامة الباهرة في أوليات الاسلام على عهد الصادع الكريم، وتخفى على كل الناس وينحصر علمها بأنس ولم يروها غيره، ولم تشتهر عنه في الملأ الديني ؟ ! ؟ ! أتصدق أن يكون الرجلان لهذه المكانة الرابية من الفضيلة وهما من متأخري المسلمين أسلما بالمدينة، ولم يذكرهما نبي العظمة بتلك الكرامة ولو همسا، ولم

/ صفحة 108 /

يعرفهما أمته ولو ركزا، ولم يعرفهما رجال الدين تبلكم المكرمة طيلة حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ لعلك لا يعزب عنك لماذا استحق أسيد هذه المنقبة، وإنها إنما اختلقت بعد رسول الله للرجل لتقدمه على المهاجرين والأنصار يوم السقيفة ببيعة أبي بكر، وهو أول رجل من الأنصار بايع يوم ذاك وشق عصا المسلمين، قال ابن الأثير (1) له في بيعة أبي بكر أثر عظيم .
وقال : كان أبو بكر الصديق يكرمه ولا يقدم عليه أحدا .
فهو حري بتلك البيعة أن يشرف بوسام من محبذي ذلك الانتخاب الدستوري الذي لم يكن عن جدارة، كما استحق بها أبو عبيدة الجراح - حفار القبور - أن يقبل رجله عمر بن الخطاب (2) ومن هنا تجد عائشة تثني على أسيد بقولها : كان من أفاضل الناس وقولها : ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا بعد رسول الله : سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر (3 )، تقوله أم المؤمنين وهي تعلم أن من الأنصار بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بقية صالحة بدريون عقمت أم الدهور أن تأتي بمثلها كأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة ذي الشهادتين، وجابر بن عبد الله، وقيس بن سعد، إلى أناس آخرين .
نعم : هؤلاء لا يروق أم المؤمنين ذكرهم لأنهم علويون في ولائهم، وأما أسيد فهو جدير بهذه المدحة البالغة من أم المؤمنين لنقضه عهد المصطفى في أخيه علم الهدى، وتسرعه إلى بيعة أبيها وتدعيمه خلافته، فهو تيمي المبدأ والمنتهى .
وعباد بن بشر لا تقصر خطواته في تلك الخلافة عن أسيد، وقد قتل تحت راية أبي بكر يوم اليمامة، ولعائشة ثناء جميل عليه .

- 5 -


خمر صارت عسلا بدعاء خالد

عن الأعمش عن خيثمة قال : أتى خالد بن وليد برجل معه زق خمر فقال له خالد : ما هذا ؟ فقال : عسل .
فقال : أللهم اجعله خلا فلما رجع إلى أصحابه قال : جئتكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أسد الغاية : 1 : 92 .
(2) تاريخ ابن كثير 7 : 55 .
(3) أسد الغابة 3 : 100، مجمع الزوايد 9 : 310 .


/ صفحة 109 /

بخمر لم يشرب خمر مثله . ثم فتحه فإذا هو خل . فقال : أصابته والله دعوة خالد رضي الله عنه . وفي لفظ : اللهم اجعله عسلا فصار عسلا . تاريخ ابن كثير 7 : 114، الإصابة 1 : 414 .
قال الأميني : إقرأ صحيفة حياة خالد السوداء مما مر في الجزء السابع ص 156 - 168 ط 1 وسل عنه بني جذيمة ومالك بن نويرة وامرأته، وسل عنه عمر الخليفة، حتى تعرفه بعجره وبجره، ثم احكم بما تجد الرجل أهلا له .

- 6 -


أبو مسلم لا تحرقه النار

دعا الأسود العنسي - المتنبي - أبا مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب اليمني التابعي المتوفى 60 / 62 فأجج الأسود نارا عظيمة وألقى فيها أبا مسلم فلم تضره، وأنجاه الله منها، فكان يشبه بإبراهيم الخليل، فوفد على أبي بكر مسلما فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به ما فعل بإبراهيم خليل الله .
وفي لفظ ابن كثير : فقدم على الصديق فأجلسه بينه وبين عمر وقال له عمر : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أري في أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم الخليل وقبله بين عينيه .
الاستيعاب 2 : 666، صفة الصفوة 4 : 181، تاريخ ابن عساكر 7 : 318، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 46، تاريخ ابن كثير 8 : 146، شذرات الذهب 1 : 70، تهذيب التهذيب 12 : 236، وذكره السيد محمد أمين ابن عابدين في العقود الدرية 2 : 393 عن جده العمادي في رسالته (الروضة الريا فيمن دفن في داريا) نقلا عن أبي نعيم وابن عساكر وابن الزملكاني وابن كثير .


- 7 -


أبو مسلم يقطع دجلة بدعائه

أتى أبو مسلم الخولاني يوما على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها فوقف عليها ثم حمد الله تبارك وتعالى وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر، ثم نهر دابته فخاضت الماء وتبعه الناس حتى قطعوا .


/ صفحة 110 /

أخرجه ابن عساكر في تاريخه 7 : 317 .


- 8 -


سبحة أبي مسلم تسبّح بيده

كان أبو مسلم الخولاني بيده سبحة يسبح بها فنام والسبحة بيده فاستدارت والتفت على ذراعه وجعلت تسبح فالتفت إليها وهي تدور في ذراعه وهي تقول : سبحانك يا منبت النبات، ويا دائم الثبات .
فقال لزوجته : هلمي يا أم مسلم ! وانظري أعجب الأعاجيب، فجاءت والسبحة تدور تسبح فلما جلست سكتت أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام 7 : 318 .


- 9 -


وفد يسافر بلا زاد ولا مزاد

كان أبو مسلم الخولاني أتاه جماعة من قومه فقالوا له : أما تشتاق إلى الحج ؟ قال : بلى لو أصبت لي أصحابا فقالوا : نحن أصحابك، فقال : لستم لي بأصحاب أنا أصحابي قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد قالوا : سبحان الله وكيف يسافر قوم بلا زاد و لا مزاد ؟ فقال لهم : ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله يرزقها وهي لا تبيع ولا تشتري ولا تحرث ولا تزرع ؟ قالوا : فإنا نسافر معك فقال لهم : تهيأوا على بركة الله .
فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زاد ولا مزاد، فلما انتهوا إلى المنزل قالوا : يا أبا مسلم ! طعام لنا وعلف لد وابنا فقال لهم : نعم فتنحى بعيدا فتسنم أحجارا فصلى فيه ركعتين، ثم جثى على ركبتيه فقال : إلهي قد تعلم ما أخرجني من منزلي، و إنما خرجت زائرا لك، وقد رأيت البخيل من أولاد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قرى وإنا أضيافك وزوارك فأطعمنا واسقنا واعلف دوابنا، فأتي بسفرة فمدت بين أيديهم، وجئ بجفنة من ثريد تنجر، وجئ بقلتين من ماء، وجئ بالعلف لا يدرون من يأتي به، فلم تزل هذه حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا لا يتكلفون زادا ولا مزادا .
أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام 7 : 318 .
قال الأميني : أنا لم أفض في المقام بذأمة، وإنما أوجه نظر الباحث شطر كلمة

/ صفحة 111 /

طاش كبرى زادة قال في مفتاح السعادة 3 : 345 : من يخوض في البراري من غير زاد لتصحيح التوكل ذلك بدعة إذ السلف كانوا يأخذون الزاد ويتوكلون .


- 10 -


دعاء أبي مسلم لمرأة وعليها

كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل داره فكان في وسطها كبر فيدخل فينزع ردائه وحذاءه وتأتيه إمرأته بطعام فيأكل فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه، ثم أتى باب البيت فكبر وسلم وكبر فلم تجبه، وإذا البيت ليس فيه سراج وإذا هي جالسة بيدها ود (كذا) تنكت به الأرض فقال لها : مالك ؟ فقالت : الناس بخير وأنت أبو مسلم لو إنك أتيت معاوية فيأمر لك بخادم ويعطيك شيئا تعيش به ؟ فقال : أللهم من أفسد علي أهلي فاعم بصره .
وكانت أتتها امرأة فقالت : أنت امرأة أبي مسلم الخولاني فلو كلمت زوجك يكلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم .
فبينا هذه المرأة في منزلها إذا أنكرت بصرها فقالت : سراجكم طفئ ؟ فقالوا : لا .
فقالت : إنا لله، ذهب بصري، فأتت إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده الله وتطلب إليه حتى دعا الله فرد بصرها ورجعت امرأته إلى حالها التي كانت عليها . أخرجه ابن عساكر في تاريخه 7 : 317 .
قال الأميني : ما أقسى صاحب هذه المعاجز حيث أعمى امرأة مسلمة من غير ذنب تستحق لأجله مثل هذه العقوبة ؟ فإن مراجعة معاوية كبقية المسلمين وهو أميرهم فيما حسبوه - والرجل في الرعيل الأول من شيعته - للتوسيع عليه ليس فيها اقتراف مأثم ولا اجتراح سيئة تستحق المسكينة عليها التنكيل بها، فهلا دعا الله سبحانه أن يهديها وامرأته أن يثبت قلبيهما على الصبر والتقوى إن كان يعلم من نفسه إجابة دعوته ؟ لكنه أبى إلا القسوة، أو أن المغالي في فضله افتعل له ذلك ذاهلا عن إن ما افتعله يمس كرامة الرجل، ونحن نجل ساحة قدس المولى سبحانه عن أن تكون عنده إجابة لمثل هذه الدعوة الصادرة عن الجهل .


- 11 -


الظبي يحبس بدعاء أبي مسلم

أخرج ابن عساكر في تاريخه 7 : 317 عن بلال بن كعب قال : ربما قال الصبيان


/ صفحة 112 /

لأبي مسلم الخولاني : ادع الله يحبس علينا هذا الظبي فيدعو الله فيحبسه حتى يأخذوه بأيديهم .
قال الأميني : لقد راق القوم أن لا يدعوا للأنبياء والرسل معجزة أو آية إلا و سحبوها إلى من أحبوه من رجال عاديين، بل راقهم أن يثبتوا لأوليائهم كل شئ أباحه العقل أو أحاله، أنا لا أدري أيريدون بذلك تخفيضا من مقام الرسل ؟ أو ترفيعا لهؤلاء ؟ ! وأياما أرادوا فحسب رواة السوء رواية غير المعقول، وخلط الحابل بالنابل .
أتعرف أبا مسلم الخولاني صاحب هذه الخزعبلات ؟ أتدري لماذا استحق الرجل بنسج هذه الكرامات له على نول الافتعال ؟ أتصدق أن يكون تحت راية ابن هند في الفئة الباغية رجل إلهي يؤمن به وبإيمانه، ويصدق زلفاه إلى ربه، فضلا عن أن يكون صاحب حفاوة وكرامة ؟ ! ؟ ! أتزعم أن تربي قاعة الشام في عصر معاوية إنسانا يعرف ربه، ويكون من أمره على بصيرة، ولا تزحزحه عن سبيل الحق والرشاد رضايخ ذلك الملك العضوض ؟ ! نعم إنما نسجت يد الاختلاق هذه المفتعلات كوسام لأبي مسلم شكرا على تقدمه في ولاء أبناء بيت أمية، وعداءه المحتدم لأهل بيت الوحي، كان الرجل عثمانيا أموي النزعة، خارجا على إمام زمانه تحت راية القاسطين، وهو القائل : يا أهل المدينة ! كنتم بين قاتل وخاذل، فكلا جزى الله شرا، يا أهل المدينة ! لأنتم شر من ثمود إن ثمود قتلوا ناقة الله، وأنتم قتلتم خليفة الله، وخليفة الله أكرم عليه من ناقته .
وهو الذي كان سفير معاوية إلى علي في حرب صفين، وقد أتى ببعض كتبه إلى الإمام عليه السلام ولما أقام عليه السلام عليه الحجة وأفحمه فخرج وهو يقول : الآن طاب الضراب وهو الذي كان يرتجز يوم صفين ويقول : ما علتي ما علتي وقد لبست درعتي أموت عند طاعتي ؟ ! (1) أترى من يموت في طاعة ابن هند، ويركض وراء أهوائه وشهواته، ويتخذه إماما متبعا في أفعاله وتروكه، ويحارب إمام زمانه المطهر بلسان الله تعالى ولم يعرفه، ويضرب الصفح عما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حرب علي عليه السلام وسلمه عامة، وفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صفين نصر بن مزاحم 95 - 98، تاريخ ابن عساكر 7 : 319، شرح ابن أبي الحديد 3 : 408 .


/ صفحة 113 /

قتاله يوم صفين خاصة، وتكون له خطوات واسعة وأشواط بعيدة في تلكم البوائق المدلهمة، والمواقف الموبقة، توهب له من المولى سبحانه وتعالى تلك المنزلة الرفيعة من الكرامة التي تضاهي منازل الأنبياء، ويقصر عنها مقام كل ولي صادق ؟ ! لا ها الله، إن هي إلا اختلاق، لا تساعدها البرهنة الصادقة، ولا يسوغها الاسلام ومبانيه ومباديه، ولا يقبلها العقل والمنطق .
قاتل الله العصبية العمياء، إلى أي هوة من التعاسة والانحطاط تحدو البشر ؟ تجعل أبا مسلم الشامي الخارجي الباغي المحارب إمام وقته زاهدا عابدا ناسكا ذا كرامات ومقامات، وتعرف سيد غفار أشبه الناس بعيسى بن مريم زهدا وهديا وبرا ونسكا، الممدوح بلسان النبي الأعظم (1) شيوعيا اشتراكيا يموت في المعتقل غفرانك اللهم وإليك المصير .


- 12 -


الربيع يتكلم بعد الموت

عن ربعي بن خراش (2) العبسي قال : مرض أخي الربيع بن خراش فمرضته ثم مات فذهبنا نجهزه، فلما جئنا رفع الثوب عن وجهه ثم قال : السلام عليكم، قلنا : وعليك السلام، قدمت ؟ قال : بلى ولكن لقيت بعدكم ربي ولقيني بروح وريحان ورب غير غضبان، ثم كساني ثيابا من سندس أخضر، وإني سألته أن يأذن لي أن أبشركم فأذن لي، وإن الأمر كما ترون، فسددوا وقاربوا، وبشروا و لا تنفروا (3) .
وفي لفظ أبي نعيم : إنه توفي أخي - ربيع بن حراش - فبينا نحن حوله وقد بعثنا من يبتاع له كفنا إذ كشف عن وجهه فقال : السلام عليكم .
فقال القوم : وعليك السلام يا أخاه ! عيشا بعد الموت ؟ يعني حياة .
قال : نعم إني لقيت ربي بعدكم فلقيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الجزء الثامن ص 315 - 324 ط 1 .
(2) كذا بالمعجمة في غير واحد من المصادر والصحيح كما في تهذيب التهذيب : حراش . مهملة الأول .
(2) تاريخ ابن كثير 6 : 158، الروض الأنف 2 : 370، صفة الصفوة 3 : 19 .


/ صفحة 114 /

ربا غير غضبان، واستقبلني بروح وبريحان واستبرق، ألا وإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ينتظر الصلاة علي، فعجلوا بي ولا تؤخروني، ثم كان بمنزلة حصاة رمي بها في الطست (1) .
وفي لفظ : مات أخي الربيع فسجيته فضحك فقلت : يا أخي ! أحياة بعد الموت ؟ قال : لا، ولكني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان ووجه غير غضبان، فقلت : كيف رأيت الأمر ؟ قال : أيسر مما تظنون، فذكر لعائشة فقالت : صدق ربعي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أمتي من يتكلم بعد الموت (2) .
قال الأميني : لست أدري لماذا استحال القوم القول بالرجعة، وليست هي إلا رجوع الحياة للميت بعد زهوق النفس، وهم يروون أمثال هذه الرواية وما مر في ص 103 مخبتين إليها من دون أي غمز بها، وإن مغزاها إلا من مصاديق الرجعة .
نعم لهم أن يناقشوننا الحساب باقترابها من الموت وبعدها عنه، أو بطول أمدها وقصره، أو بقصر جوازها على تأييد المذهب فحسب، أو بحصر نطاقها بغير العترة الطاهرة فقط، غير إن هذه كلها لا تؤثر في جوهرية الامكان، ولا تصيره محظورا غير سائغ عقلا أو شرعا .
وشتان بين قصة ابن حراش هذه وبين ما جاء به ابن سعد في طبقاته 3 : 273 عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : سمعت رجلا من الأنصار يقول : دعوت الله أن يريني عمر في النوم فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبهته فقلت : يا أمير المؤمنين ! ما فعلت ؟ فقال : الآن فرغت، ولولا رحمة ربي لهلكت .
وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 99 .
وأخرج ابن الجوزي في سيرة عمر ص 205 عن عبد الله بن عمر قال : رأى عمر في المنام فقال : كيف صنعت ؟ قال : خيرا .
كاد عرشي يهوى لولا إني لقيت ربا غفورا .
فقال : منذ كم فارقتكم ؟ فقلت : منذ اثنتي عشر سنة .
فقال : إنما انفلت الآن من الحساب وروى نحوه الحافظ المحب الطبري في الرياض 2 : 80 .
هذا عمر الخليفة وحراجة موقفه في الحساب، لا يستقبله ربه بروح وريحان، ولا يكسوه ثيابا من استبرق أخضر، ولا انتظر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلي عليه، وقد انفلت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حلية الأولياء 3 : 212 .
(2) الخصايص الكبرى 2 : 149 .


/ صفحة 115 /

من الحساب بعد اثنتي عشرة سنة، ولولا رحمة ربه لهلك . وذاك ابن حراش (1). وأمره الأمر السريع، فانظر مآل الرجلين واحكم .


- 13 -


أربعة آلاف تعبر الماء

عن أبي هريرة وأنس قالا : جهز عمر بن الخطاب جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي، وكنت في غزاته فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء والحر شديد، فجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها صلى بنا ركعتين، ثم مد يده إلى السماء، وما نرى في السماء شيئا، قال : فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا، وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال : يا علي يا عظيم يا حليم يا كريم .
ثم قال : أجيزوا بسم الله .
قال : فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيرا فأصبنا العدو عليه فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا .
وفي لفظ الصفوري : وكان الجيش أربعة آلاف .
فلم نلبث إلا يسيرا حتى رمي في جنازته .
قال : فحفرنا له وغسلناه ودفناه، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه فقال : من هذا ؟ فقلنا : هذا خير البشر، هذا ابن الحضرمي فقال : إن هذه الأرض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى، فقلنا : ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله، قال : فاجتمعنا على نبشه فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه، وإذا اللحد مد البصر نور يتلألأ، قال : فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا (2) .
قال الأميني : نحن لا ننبس هاهنا ببنت شفة ولا نحوم حول إسناده الباطل، ولا نؤاخذ رواة القصة بقولهم في الحضرمي : هذا خير البشر . وإنه كذب فاحش يخالف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يوجد له ذكر في معاجم التراجم .
(2) تاريخ ابن كثير 6 : 155، نزهة المجالس 2 : 191، وأوعز إليها ابنا الأثير وحجر في أسد الغابة 4 : 7، والإصابة 2 : 498 فقالا : خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها .


/ صفحة 116 /

ما أجمعت عليه الأمة، وليس على الله بعزيز أن يجعل أفراد جيش جهزه عمر كلها صاحب كرامة، لكنا لا نعرف معنى قولهم : إن هذه الأرض تلفظ الموتى، أي أرض هذه ؟ وفي أي قطر هي ؟ وهل هي تعرف بهذه الصفة عند الملأ ؟ وهل هي شاعرة بخاصتها هذه أو لا تشعر ؟ وهل هي باقية عليها إلى يومنا هذا ؟ وكيف شذت عن بقاع الأرض بهذه الخاصة ؟ ولماذا هي ؟ وكيف تخلفت عن ذاتيها في خصوص هذا المقبور ؟ وهل كان الرجل في القبر لما نبشوه مجللا بالأنوار وقد أعشتهم عن رؤيته فحسبوه مفقودا، أو إنه غادر القبر إلى جهة لا تعرف، وترك فيه أنواره ؟ أنا لا أدري، وهل في منة الراوي أو مدرن القصة أو مفتعلها أو من قاصها الجواب عن هذه الأسؤلة ؟


- 14 -


جيش تعبر الماء بدعاء سعد

أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا إلى مدائن كسرى، فلما بلغوا شاطئ الدجلة لم يجدوا سفينة فقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو أمير السرية، وخالد بن الوليد رضي الله عنه : يا بحر ! إنك تجري بأمر الله، فبحرمة محمد صلى الله عليه وسلم وعدل عمر رضي الله عنه إلا ما خليتنا والعبور . فعبروا هم وخيلهم وجمالهم فلم تبتل حوافرها (1) .
قال الأميني : ليس في إمكان حوافر الخيل والجمال أن تبتل بعد دعاء ذلك الرجل الإلهي العظيم - سعد - المتخلف عن بيعة الإمام المعصوم، والخارق لإجماع الأمة وهي لا تجتمع على الخطاء، ولا سيما إذا شفعته بزميله خالد بن الوليد الزاني الفاتك الهاتك صاحب المخازي والمخاريق، وإلى الغاية لم يتضح لنا إن الله تعالى بماذا أبر قسم الرجل أبمجموع المقسم به من حرمة محمد وعدل عمر ؟ بحيث كان إبرار القسم منبسطا عليهما معا على حد سواء .
أم أنه وليد القسم بحرمة محمد صلى الله عليه وآله فحسب ؟ لما نرتأيه من عدم قيام وزن لعدل عمر عند من أمعن النظرة في أفعاله وتروكه، وقد أسلفنا نبذا من ذلك في نوادر الأثر في الجزء السادس .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نزهة المجالس للصفوري 2 : 191 .


/ صفحة 117 /



- 15 -


دعاء سعد يؤخر أجله

أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 1 : 140 من طريق لبيبة قال : دعا سعد فقال : يا رب إن لي بنين صغارا فأخر عني الموت حتى يبلغوا، فأخر عنه الموت عشرين سنة .
قال الأميني : ما أكرم أولاد سعد على الله وفيهم عمر بن سعد قاتل الإمام السبط الشهيد ؟ فحقا كان على الله أن يستجيب دعوة سعد ويؤخر أجله حتى يربي من له قدم وأي قدم في قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبادة أهله .
وليتني أدري من الذي أخبر سعدا أو لبيبة أو من روى القصة ومن حفظها بأن سعدا قد أتاه أجله المحتوم الذي إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (1) و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا (2) فأخره الله عنه ببركة دعاءه عشرين عاما مدة معينة ؟ هل تجد مثل هذا العلم عند العاديين من البشر أمثال سعد ولبيبة ؟ وهل لكل ابن أنثى طريق إلى الكشف عن تلكم المغيبات ؟ نعم ليس على الله بمستنكر أن يطلع على غيبه أي إنسان خلق جهولا سعيدا أو شقيا، عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول، فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (3).


- 16 -


سحابة تروي وتنبت

عن الحسن البصري قال : مات هرم بن حيان - في خلافة عثمان - في يوم صائف شديد الحر فلما نفضوا أيديهم عن قبره جاءت سحابة تسير حتى قامت على قبره فلم تكن أطول منه ولا أقصر فرشته حتى روته ثم انصرفت .
وفي لفظ قتادة : أمطر قبر هرم بن حيان من يومه، وأنبت العشب من يومه (4) .
نحن لا نستعظم هذه الكرامة لهرم بن حيان في مماته، فإن بقائه في بطن أمه أربع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة يونس 49 .
(2) سورة آل عمران : 145 .
(3) سورة الجن : 26، 27 .
(4) حلية الأولياء 2 : 122، صفة الصفوة 3 : 139، الإصابة 3 : 601 .


/ صفحة 118 /

سنين (1) أعظم وأعجب، سبحان الخالق القادر .


- 17 -


إبراهيم التيمي يواصل أربعين

عن الأعمش قال : قلت لإبراهيم التيمي المتوفى 92 : بلغني إنك تمكث شهرا لا تأكل شيئا .
فقال : نعم وشهرين، وما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب ناولنيها أهلي فأكلتها ثم لفظتها في الحال .
كذا في طبقات الشعراني 1 : 36، وفي إحياء العلوم للغزالي 1 : 309 : إنه كان يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب .
لعل النطس وعلماء الطب يضحكون على هذه العقلية السخيفة، غير إن قصة الطوي عند القوم مشكلة لا تنحل، يحار دونها العقل، ولا يسمع فيها قضاء الطبيعة، ولا يتخذ فيها الناموس المطرد مما خلق الله عليه البشر، ولا يصححها إلا المغالاة في الفضائل، وهناك فئة تضاهي إبراهيم التيمي في هذه الدعوى المجردة، أو تربو عليه في الفضيلة، وسيوافيك ذكر بعضها .


- 18 -


حافظ دعا على رجل فمات

روى غيلان بن جرير البصري : إن رجلا كذب على مطرف بن عبد الله الحافظ البصري المتوفى سنة 95 فقال مطرف، اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر مكانه ميتا (2) .
قال الأميني : ليس هذا المستجاب دعوته ببعيد في القسوة عن أبي مسلم الخولاني الذي أعمى المرأة من غير ذنب، والكذب وإن كان محرما لكن ليس الجزاء عليه إعدام صاحبه، وليس من السهل السائغ أن تستجاب دعوة كل غير معصوم على من عادى عليه وفيهم من رجال الغضب الثائر مثل أبي مسلم الخولاني ومطرف البصري، وإلا لوجب على الأمة المستجابة دعوتهم أن تدعو على الكذبة، وعلى الله أن يجيبهم بقتل رواة هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع تفسير روح البيان 4 : 347 .
(2) طبقات الحفاظ الذهبي 1 : 60، دول الاسلام 1 : 47، الإصابة 3 : 479، تهذيب التهذيب 1 : 173 .


/ صفحة 119 /

القصص فتشاد وتعمر بقاع بأجداث كثيرين من الحفاظ وأئمة الحديث ورماة القول على عواهنه، حتى تستريح أمة محمد صلى الله عليه وآله من هذه السفاسف التي لا مقيل لها من الاعتبار، ولا لها نهاية .


- 19 -


سحابة تظل كرز بن وبرة

عن أبي سليمان المكتب : قال صحبت كرز بن وبرة إلى مكة فكان إذا نزل أخرج ثيابه فألقاها في الرحل ثم تنحى للصلاة فإذا سمع رغاء الإبل أقبل، فاحتبس يوما عن الوقت، فانبث أصحابه في طلبه فكنت فيمن طلبه قال : فأصبته في وهدة يصلي في ساعة حارة وإذا سحابة تظله فلما رآني أقبل نحوي فقال : يا أبا سليمان ! لي إليك حاجة، قال : قلت : وما حاجتك يا أبا عبد الله ؟ ! قال : أحب أن تكتم ما رأيت .
قال : قلت ذلك لك يا أبا عبد الله ! فقال : أوثق لي فحلفت ألا أخبر به أحدا حتى يموت .
حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم 5 : 80، الإصابة 3 : 321 .


- 20 -


فقير يجعل الأرض ذهبا

عن الحسن البصري رحمة الله عليه قال : كان بعبادان رجل فقير أسود يأوي إلى الخرابات فحصل معي شيئ فطلبته فلما وقعت عينه علي تبسم وأشار بيده إلى الأرض فصارت الأرض كلها ذهبا تلمع ثم قال : هات ما معك .
فناولته وهالني أمره فهربت . الروض الفائق ص 126 .
إقرأ وتعجب . اضحك أو ابك .


- 21 -


الغطفاني ميت يتبسم

عن الحارث الغنوي قال : آلى ربعي بن حراش الغطفاني المتوفى 101 / 4، أن لا يضحك حتى يعلم في الجنة هو أو في النار، فلقد أخبرني غاسله إنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه .
صفة الصفوة لابن الجوزي 3 : 19، طبقات الشعراني 1 : 37، تاريخ ابن عساكر 5 : 298

/ صفحة 120 /

- 22 -
عمر بن عبد العزيز في التوراة
عن خالد الربعي قال : مكتوب في التوراة : إن السماء والأرض لتبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحا .
الروض الفائق للحريفيش ص 255 .
لعل هذه الخاصة لعمر بن عبد العزيز خاصة بتوراة الربعي فإن توراة موسى عليه السلام ما كانت موجودة في تلكم العصور، فلا يقف عليها الربعي وغيره، وأما التوراة المحرفة فأي حجة لما فيها من أساطير، على إن نسخ التوراة الموجودة الآن على اختلاف طبعاتها خالية عن هذا العز والمختلق .
وحسبك في عرفان خطر عمر بن عبد العزيز قول الإمام أحمد بن حنبل لما سئل : أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز : فقال : لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز (1) وقال عبد الله بن المبارك : تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز .
و في لفظ : لتراب في منخري معاوية مع رسول الله خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز(2). فما خطر رجل يكون تراب منخر ابن هند أو منخر جواده أفضل منه حتى يذكر في التوراة ؟ أو تبكي عليه السماء والأرض أربعين يوما ؟ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين .

- 23 -
رعاء الشاة في خلافة عمر بن عبد العزيز
قال اليافعي في - روض الرياحين - ص 165 : حكي إنه لما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة قال رعاء الشاة في رأس الجبال : من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس ؟ فقيل لهم : وما أعلمكم بذلك ؟ قالوا : إنه إذا قام خليفة صالح كف الذئاب والأسد عن شياهنا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شذرات الذهب 1 : 65 .
(2) تاريخ ابن كثير 8 : 139، الصواعق ص 127 .

/ صفحة 121 /
قال الأميني ما أعرف السباع المفترسة في القرون الخالية بصالح الخلفاء من طالحهم، حتى كفت عن الفرس والعدوان جريا على الصالح العام ؟ وما أجهل به الانسان الظلوم الجهول حتى حاد عنه وخاصمه وعانده وحاربه وقاتله ؟ ولو كانت هذه السيرة مطردة في السباع في كل أدوار الحياة، ولم يكن هذا الشعور الحي من خاصة سباع عصر عمر بن عبد العزيز ورعاءه ؟ لكانت لها أن تفني شياه الدنيا ولم تبق منها شيئا يوم معاوية ويزيد وهلم جرا، أو ارجع إلى الوراء القهقرى .

- 24 -
كتاب براءة لعمر بن عبد العزيز
كان عمر بن عبد العزيز يأتي المساجد المهجورة في الليل فيصلي فيها ما يسر الله عز وجل، فإذا كان وقت السحر وضع جبهته على الأرض، ومرغ خده على التراب، ولم يزل ييكي إلى طلوع الفجر، فلما كان في بعض الليالي فعل ذلك على العادة، فلما فرغ ورفع رأسه من صلاته وتضرعه وجد رقعة خضراء قد اتصل نورها بالسماء مكتوب فيها : هذه برائة من النار من الملك العزيز لعبده عمر بن عبد العزيز .
وأخرج ابن أبي شيبة بإسناده عن عبد العزيز بن أبي سلمة : إن عمر بن عبد العزيز لما وضع عند قبره هبت ريح شديدة فسقطت صحيفة بأحسن كتاب فقرأوها فإذا فيها : بسم الله الرحمن الرحيم، براءة من الله لعمر بن عبد العزيز من النار . فأدخلوها بين أكفانه ودفنوها معه . تاريخ ابن كثير 9 : 210، الروض الفائق للحريفيش ص 256 .
وروى ابن عساكر في ترجمة يوسف بن ماهك قال : بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا من السماء كتاب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم، أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار .
قال الأميني : سوف يتبين الرشد من الغي يوم العرض الأكبر .

- 25 -
امرأة تلد بدعاء مالك ابن أربع سنين
أخرج البيهقي في السنن الكبرى 7 : 443 بإسناده عن هاشم المجاشعي قال : بينما
/ صفحة 122 /
مالك بن دينار - المتوفى 123 وقيل غير ذلك - يوما جالس إذ جاءه رجل فقال : يا أبا يحيى ! ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد، فغضب مالك و أطبق المصحف ثم قال : ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء، ثم دعا فقال : أللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجها عنها الساعة، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاما، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب، ثم رفع مالك يده ورفع الناس أيديهم، وجاء الرسول إلى الرجل فقال : أدرك امرأتك، فذهب الرجل، فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه ما قطعت أسراره .
قال الأميني : ليس من المستحيل التلفظ بالمحال، لكن التقوى أو الحياء يزع كل منهما الانسان عن أن يلهج بما هو خارج عن مستوى المعقول .
ألا من مسائل هذا الراوي عن إن رحم المرأة هل فيها تمطط فتبلغ من السعة ما يقل ابن أربع سنين وقد استوت أسنانه ونبت شعره ويركب الرقاب ؟ وهب إن فيها تمططا فهل ما يحويها من بنية البدن له مثل ذلك التمطط ؟ فيجب عليه أن يكون في هيئة الحامل إذن تضخما أكثر من النساء العاديات، فهل كانت أم الغلام هكذا ؟ أو إنها بقيت على حالتها وهي كرامة أخرى لأحد من عباد الله ؟ سبحان الذي تولى كلائة هذه المرأة المسكينة عن أن تنكسر عظامها، وتنقطع عروقها، وينفتق جلدها ولحمها، وقد فعل سبحانه ما أراد في الزمن من الماضي .
ورحم الله مالك بن دينار لولا دعائه للمرأة المسكينة لكان يبقى جنينها في بطن أمه أربعين عاما أو إلى ما شاء الله .
ثم هل كان المولود في بطن أمه أنثى فأبد له دعاء ابن دينار ذكرا ؟ أو أنه كان ذكرا ولا صلة للدعاء المذكور به، وأن الله هو الذي يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ؟ وإن من المقطوع به إن في تلك الساعة كان قد أفرزت خلقة المولود وصور مثاله فلم يبق فيه بعد مجال للتغير والتأثر وإنه إما ذكر أو أنثى، فلا محل من الإعراب لدعاء ابن دينار : [وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاما] غير أنه دعا، وهل كانت له هذه
/ صفحة 123 /
الدعوة المستجابة بعد الولادة أخذا بقوله : إنك تمحو ما تشاء وتثبت ؟ لعلها له وليس على الله بعزيز، ولا يسئل عما يفعل، وهو على كل شئ قدير .

- 26 -
ناصبي مستجاب الدعوة
قال الجريري سعيد بن إياس المتوفى 144 : كان عبد الله بن شقيق العقيلي أبو عبد الرحمن البصري مجاب الدعوة كانت تمر به السحابة فيقول : أللهم لا تجوز كذا و كذا حتى تمطر . فلا تجوز ذلك الموضع حتى تمطر . حكاه ابن أبي خيثمة في تاريخه [تهذيب التهذيب 5 : 254] .
قال الأميني : لعلك لا تستبعد إجابة دعوة ولي من أولياء الله وتراها غير عزيز على المولى سبحانه كرامة لصالحي عباده، بيد إن هذه النسبة تبعد من العقيلي بعد المشرقين بعد ما عرفه الملأ ممن نصب العداء لسيد العترة قال ابن خراش : كان عثمانيا يبغض عليا، وقال أحمد بن حنبل : كان يحمل على علي (1) فأي كرامة لابن أنثى لا يوالي سيد العرب أمير المؤمنين فضلا عن أن يعاديه بعد ما ثبت عن النبي الأقدس من الدعوة المستجابة بقوله في علي عليه السلام : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، (2) وبعد عهد النبي صلى الله عليه وآله إليه سلام الله عليه إنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق (3) وبعد قوله صلى الله عليه وآله : يا علي لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق (4) وبعد قوله صلى الله عليه وآله : لا يحب عليا المنافق، ولا يبغضه مؤمن (5) وبعد قوله صلى الله عليه وآله : لولاك يا علي ! ما عرف المؤمنون بعدي (6) وبعد قوله صلى الله عليه وآله : والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان (7) وبعد قوله صلى الله عليه وآله:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تهذيب التهذيب 5 : 254 .
(2) راجع حديث الغدير في الجزء الأول من كتابنا هذا .
(3) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 161 .
(4) راجع ما مر في الجزء الثالث 162 .
(5) راجع ص 163 من الجزء الثالث .
(6) راجع ص 164 من الجزء الثالث .
(7) يأتي في مسند المناقب بمصادره .

/ صفحة 124 /
يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي(1) .
وبعد قوله صلى الله عليه وآله : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك (2) وبعد قوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني (3) إلى أحاديث جمة .
فكيف يسع لمسلم يصدق رسول الله صلى الله عليه وآله في أقواله هذه أن يذعن بكرامة ابن شقيق مبغض علي عليه السلام والمتحامل عليه بالوقيعة فيه، ويراه مستجاب الدعوة، نافذ المشيئة في السحاب .
نعم يسوغه الغلو في الفضائل لا عن دراية وأما الجريري راوي هذه المهزأة فقد عرفت في ما مر في هذا الجزء : إنه اختلط قبل موته بثلاث سنين، وهذه الرواية من آيات اختلاطه .

- 27 -
السختياني ينبع الماء
أخرج أبو نعيم في (حلية الأولياء) 3 : 5 بالإسناد عن عبد الواحد بن زيد قال : كنت مع أيوب السختياني (4) على حراء فعطشت عطشا شديدا حتى رأى ذلك في وجهي فقال .
ما الذي أرى بك ؟ قلت : العطش، وقد خفت على نفسي، قال : تستر علي ؟ قلت : نعم .
قال : فاستحلفني فحلفت له أن لا أخبر عنه ما دام حيا، قال : فغمز برجله على حراء فنبع الماء فشربت حتى رويت وحملت معي من الماء قال : فما حدثت به أحدا حتى مات .
وفي [الروض الفائق] ص 126 : كان جماعة مع أيوب السختياني في سفر فأعياهم طلب الماء فقال أيوب : أتسترون علي ما عشت ؟ فقالوا : نعم .
فدور دائرة فنبع الماء قال : فشربنا فلما قدموا البصرة أخبر به حماد بن زيد .
قال عبد الواحد بن زيد : شهدت معه ذلك اليوم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مستدرك الحاكم 3 ص 128 وصححه ووثق الذهبي رواته .
(2) مستدرك الحاكم 3 ص 135 وصححه .
(3) مستدرك الحاكم 3 ص 142 صححه الحاكم والذهبي .
(4) توفي سنة 121 توجد ترجمته في حلية الأولياء 3 : 3 - 14
/ صفحة 125 /

- 28 -
شيخ يبيع القصر في الجنة
أتى رجل من أهل خراسان حبيب بن محمد العجمي البصري يريد مكة وقال له : يا شيخ ! اشتر لي دارا ودفع إليه مالا وخرج إلى مكة فأخذ حبيب المال فتصدق به فلما قدم الرجل قال له : إذهب بي إلى الدار التي اشتريتها فأرنيها فقال له : إنك لا تراها اليوم ولكن إذا مت تراها فقال له الخراساني : اكتب إلي عهدتها حتى أذهب بها إلى خراسان فكتب له حبيب : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى حبيب قصرا في الجنة كذا وكذا، وارتفاعه كذا كذا في الجنة .
ثم ختم الكتاب ودفعه إليه فأخذه الرجل فذهب به إلى خراسان إلى أهله فقالوا له : أنت مجنون لولا إنك ضيعت مالك لذهب بك إلى الدار، ولكن هذا شأن مجنون، فبقي الرجل ما شاء الله، فلما حضره النزع قال لأهله : إجعلوا هذا الكتاب في كفني، فلما مات وضعوه في أكفانه وحملوه إلى القبر فأصبح حبيب بالبصرة وإذا الكتاب عنده في بيته وفي ذيله : يا أبا محمد ! إن الله قد سلم إليه القصر الذي اشتريته له فذهب إلى أهل الرجل وقال لهم : إن الله قد سلم إلى أبيكم القصر، وهذه العهدة فبصروا بها فإذا هي الكتاب الذي وضعوه معه في القبر .
أخرجه ابن عساكر في تاريخه 4 : 32 وقال مهذبه : قد روى الحافظ هذه القصة بإسناده من طريقين مطول ومختصر والمعنى واحد، وهذه القصة كانت لحبيب، وأرجو أن ؟ لا يحوم حولها المدعون فيجعلونها سلما لأكل مال الناس بالباطل، فإن أحوال أمثال حبيب لا يقاس عليها ولا تكون قاعدة للعمل .

- 29 -
حضور غائب بدعاء معروف
ذكر الإمام أبو محمد ضياء الدين الشيخ أحمد الوتري الشافعي المتوفى بمصر في عشر الثمانين والتسعمائة في كتابه (روضة الناظرين) ص 8 نقلا عن خليل بن محمد الصياد إنه قال : غاب أبي فتألمت فجئت إلى معروف - الكرخي المتوفى 200 / 1 / 4 - فقلت : غاب أبي فقال : ما تريد ؟ قلت : رجوعه .
قال : أللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك وما بينهما لك ائت بمحمد، فأتيت باب الشام فإذا هو واقف فقلت : أين كنت ؟
/ صفحة 126 /
قال : كنت الساعة بالأنبار (1) ولا أعلم ما صار .
عجبا العقول تسوغ مثل هذا لكل معروف ومنكر، ولا تسوغه في أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه يوم حضر تغسيل سلمان بالمدائن وكان سلام الله عليه بالمدينة . راجع الجزء الخامس ص 15 - 21 ط 2 .

- 30 -
رجل متربع في الهواء
أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 4 : 245 عن حذيفة بن قتادة المرعشي المتوفى 207 قال : قال : كنت في المركب فكسر بنا فوقعت أنا وامرأة على لوح من ألواح المركب فمكثنا سبعة أيام فقالت المرأة : أنا عطشى .
فسألت الله تعالى أن يسقينا فنزلت علينا من السماء سلسلة فيها كوز معلق فيه ماء فشربت، فرفعت رأسي أنظر إلى السلسلة فرأيت رجلا في الهواء متربعا فقلت : من أنت ؟ قال : من الإنس .
قلت : فما الذي بلغك هذه المنزلة ؟ قال : أثرت مراد الله عز وجل على هواي فأجلسني كما تراني .
وإن تعجب فعجب من أقوام يقبلون هذا ويبهظهم حديث البساط لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.

- 31 -
جنية تكلم الخزاعي
أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 2 : 205 عن أحمد بن نصر الخزاعي (2) أحد أئمة السنة الإمام الشهير المتوفى 231، قال : رأيت مصابا قد وقع فقرأت في أذنه فكلمتني الجنية من جوفه : يا أبا عبد الله ! بالله دعني أخنقه، فإنه يقول : القرآن مخلوق .
ما ألطفها من دعاية إلى المبدأ الباطل ؟ ولله در الجنية العالمة التي بلغ من علمها إنها قالت بعدم خلق القرآن .
ونحن نشكر الله سبحانه على إبطال هذه السخافة القديمة على ممر الأيام فلم تجد اليوم جانحا إليها ولا محبذا إياها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأنبار، مدينة قرب بلخ .
ومدينة على الفرات في غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ .
(2) قتل في خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن ونفى التشبيه فعلقت على أذنه رقعة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الإمام هارون وهو الواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره .

/ صفحة 127 /

- 32 -
رأس أحمد الخزاعي يتكلم
ذكر الخطيب وابن الجوزي بالإسناد عن إبراهيم بن إسماعيل بن خلف قال : كان أحمد بن نصر خلي، فلما قتل في المحنة وصلب رأسه أخبرت : أن الرأس يقرأ القرآن، فمضيت فبت بقرب من الرأس مشرفا عليه، وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه، فلما هدئت العيون سمعت الرأس تقرأ : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون فاقشعر جلدي .
وعن أحمد بن كامل القاضي عن أبيه أنه قال : وكل برأس أحمد من يحفظه بعد أن نصب برأس الجسر، وإن الموكل به ذكر : إنه يراه بالليل يستدير إلى القبلة بوجهه فيقرأ سورة يس بلسان طلق، وإنه لما أخبر بذلك طلب فخاف على نفسه فهرب .
وعن خلف بن سالم أنه قال : عندما قتل أحمد بن نصر وقيل له : ألا تسمع ما الناس فيه يا أبا محمد ؟ قال : وما ذلك ؟ قال : يقولون إن رأس أحمد بن نصر يقرأ القرآن، قال : كان رأس يحيى بن زكريا يقرأ (1) .
لا تبهظ الخطيب وابن الجوزي هذه الأضحوكة، ولا أحسب إنهما يصدقانها ولكن لما كان يبهظهما وأمثالهما ما يؤثر (2) من أن رأس مولانا أبي عبد الله السبط الشهيد صلوات الله عليه كان يقرأ القرآن الكريم على عامل السنان، ولقد كانت هذه الأكرومة متسالما عليها في العصور الخالية، فنحتوا هذه الأفائك تجاهها تخفيفا لتلك المنزلة الكريمة الخاصة ببضعة المصطفى صلى الله عليه وآله .

- 33 -
النبي يفتخر بأبي حنيفة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : إن سائر الأنبياء تفتخر بي، وأنا افتخر بأبي حنيفة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ بغداد 5 : 179، صفة الصفوة 2 : 205 .
(2) سيوافيك حديثه في مسند المناقب ومرسلها إنشاء الله تعالى .

/ صفحة 128 /
وهو رجل تقي عند ربي، وكأنه جبل من العلم، وكأنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، فمن أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني .
وعنه صلى الله عليه وآله : إن آدم افتخر بي، وأنا أفتخر برجل من أمتي اسمه نعمان، وكنيته أبو حنيفة، هو سراج أمتي .
أسلفنا الروايتين مع جملة مما اختلقته يد الغلو في الفضائل لأبي حنيفة في الجزء الخامس ص 239 - 241 وذكرنا هنالك إن أمة من الحنفية بلغت مغالاتها فيه حدا ذهبت إلى أعلميته من رسول الله صلى الله عليه وآله في القضاء .
وذكر الحريفيش في الروض الفائق ص 215 : إن من ورع أبي حنيفة رضي الله عنه إن شاة سرقت في عهده فلم يأكل لحم شاة مدة تعيش الشاة فيها .
لا أدري لأي خرافة أضحك ؟ الفخر النبي صلى الله عليه وآله برجل استتيب من الكفر مرتين (1) والنبي مفخرة العالمين جميعا صلى الله عليه وآله وفي أمته من باهى به الله كمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ليلة مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله (2) ؟ أم لكون الرجل أعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقضاء ؟ أنا لا أدري من أين جاء أبو حنيفة بهذا العلم والفقه ؟ أهو فقه إسلامي والنبي صلى الله عليه وآله مستقاه ومنبثق أنواره ؟ أم هو مما اتخذه من غير المسلمين من رجال كابل أو بابل أو ترمذ (3) فأحر به أن يضرب عرض الجدار، وأي حاجة للمسلمين إلى فقه غيرهم وقد أنعم الله عليهم بقضاء الاسلام وفقهه ؟ وفيهما القول الحاسم وفصل الخطاب .
أم لورع الرجل الموصول بفقهه الناجع في قصة الشاة المسروقة الذي لا يصافقه عليه فيه أي فقيه متورع، وقد أباح الاسلام أكل لحم الشياه في جميع الأحيان، وفي كلها أفراد منها مسروقة في الحواضر الإسلامية وأوساطها، لكن هذا الفقيه لا يعرف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الجزء الخامس ص 280 ط 2 .
(2) أسلفنا حديثه في الجزء الثاني 48 ط 2 .
(3) إيعاز إلى محتد أبي حنيفة، ، قال الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين وغيره : أصله من كابل . وقال أبو عبد الرحمن المقري : إنه من أهل بابل وقال الحارث بن إدريس : أصله من ترمذ .

/ صفحة 129 /
عدم تنجز الحكم في الشبهات إذا كانت غير محصورة خارجا أكثر أطرافها من محل الابتلاء، ولعله كان يعلم ذلك لكن عمله هذا من حيله التي هو أخبر بها عن نفسه، قال أبو عاصم النبيل : رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يفتي، وقد اجتمع الناس عليه وآذوه، فقال : ما هاهنا أحد يأتينا بشرطي ؟ فقلت : يا أبا حنيفة ! تريد شرطيا ؟ قال : نعم .
فقلت : اقرأ علي هذه الأحاديث التي معي، فقرأها فقمت عنه ووقفت بحذاءه فقال لي : أين الشرطي ؟ فقلت له : إنما قلت : تريد .
لم أقل لك : أجئ به فقال : انظروا أنا أحتال للناس منذ كذا وكذا وقد احتال علي هذا الصبي (1) .
أراد الإمام الأعظم بالقصة التظاهر بالورع ونصبها فخا لاصطياد الدهماء كقصته الأخرى المحرابية التي حكاها حفص بن عبد الرحمن قال : صليت خلفه فلما صلى وجلس في المحراب فقال له رجل : أيحل أن تصلي وفيه تصاوير ؟ قال : أصلي فيه منذ خمس وأربعين سنة فما علمت إن فيه تصاوير، ثم أمر بالصور فطمست .
وقال له رجل : ما أحسن سقف هذا المسجد ؟ قال : ما رأيته وأنا فيه أكثر من أربعين سنة (2) .
ولعل رأيه في الشاة مما يوقف القارئ على سر عدم دخول آرائه مدينة الرسول صلى الله عليه وآله قال محمد بن مسلمة المديني وقيل له : إن رأي أبي حنيفة دخل هذه الأمصار كلها ولم يدخل المدينة .
قال : لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : على كل ثقب من أثقابها ملك يمنع الدجال من دخولها .
وكلام هذا من كلام الدجالين، فمن ثم لم يدخلها (3) .
وفي فقه أبي حنيفة شذوذ تقصر عنها قصة الشاة، قد خالف فيها السنة الثابتة حتى قال وكيع بن الجراح (4) : وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) غير أن عبد الله بن داود الحريبي المغالى في حب إمامه يقول : ينبغي للناس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أخبار الظراف لابن الجوزي ص 103 .
(2) مناقب أبي حنيفة تأليف الحافظ الكردري 1 : 251 .
(3) أخبار الظراف لابن الجوزي ص 35 .
(4) أبو سفيان الكوفي الحافظ كان ثقة حافظا متقنا مأمونا عاليا رفيع القدر كثير الحديث وكان يفتي، توفي سنة مائة وست وتسعين .
(5) الانتقاء لابن عبد البر صاحب الاستيعاب ص 150 .

/ صفحة 130 /
أن يدعو في صلاتهم لأبي حنيفة لحفظه الفقه والسنن عليهم (1) .
وقال صاحب [مفتاح السعادة] 2 : 70 : سمعت من أثق به يروي عن بعض الكتب إن ثابتا - والد أبي حنيفة - توفي وتزوج أم الإمام أبي حنيفة رحمه الله الإمام جعفر الصادق، وكان أبو حنيفة رحمه الله صغيرا، وتربى في حجر جعفر الصادق، وأخذ علومه منه، وهذه إن ثبتت فمنقبة عظيمة لأبي حنيفة .
عقبه الحسن النعماني في تعليق (المفتاح) فقال : كيف يتجه إن الإمام كان صغيرا و تربى في حجر الإمام الصادق لأن جعفر الصادق توفي سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة، والإمام أبو حنيفة توفي سنة خمسين ومائة وولد على قول الأكثر (2) سنة ثمانين، فتكون سنة ولادتهما واحدة، وبين وفاتيهما سنتان، فثبت إنهما من الاقران لا إن الإمام صغير، والإمام جعفر الصادق كبير .
وفي غضون ما الفه الموفق بن أحمد، والحافظ الكردري في مناقب أبي حنيفة، وما ذكره بعض الحنفية في معاجم التراجم لدى ترجمته حرافات وسفاسف جمة تشوه سمعة الاسلام المقدس، ولا يسوغه العقل والمنطق إن لم يشفعهما الغلو في الفضائل، ومن أعجب ما رأيت ما ذكره الإمام أبو الحسين الهمداني في آخر [خزانة المفتين] من إن الإمام أبو حنيفة لما حج حجة الوداع أعطى بسدنة الكعبة مالا عظيما حتى أخلوا له البيت، فدخل وشرع للصلاة، وافتتح القرائة كما هو دأبه على رجله اليمنى حتى قرأ نصف القرآن، ثم ركع، وقام في الثانية على رجله اليسرى حتى ختم القرآن ثم قال : إلهي عرفتك حق المعرفة لكن ما قمت بكمال الطاعة، فهب نقصان الخدمة بكمال المعرفة، فنودي من زاوية البيت : عرفت فأحسنت المعرفة، وخدمت فأخلصت الخدمة، غفرنا لك ولمن اتبعك، ولمن كان على مذهبك إلى قيام الساعة (3) قال الأميني : ليت شعر أي كمية من الزمن استوعبها الإمام حتى ختم الكتاب العزيز في ركعتيه، وقد أخلي له البيت في يوم من أيام الموسم والناس عندئذ مزدلفون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ ابن كثير 10 : 107 .
(2) وقال بعض : إنه ولد سنة إحدى وستين .
(3) مفتاح السعادة 2 : 82 .

/ صفحة 131 /
حول البيت، يتحرون التبرك بالدخول فيه ؟ ! وكيف وسع السدنة منع أولئك الجماهير عن قصدهم، وكبح رغباتهم الأكيدة طيلة تلك البرهة الطويلة ؟ ! ثم ما هذا الدؤب من الإمام على قرائة نصف القرآن الأول على رجله اليمنى، ونصفه الآخر على رجله اليسرى ؟ أهو حكم متخذ من الكتاب ؟ أم سنة متبعة صدع بها النبي الأعظم ؟ أم بدعة لم نسمعها من غير الإمام ؟ وهل في الألعاب الرياضية المجعولة لحفظ الصحة والابقاء على قوة البدن ونشاطه مثل ذلك ؟ أنا لا أدري .
ثم كيف وسعت الإمام تلك الدعوى الباهظة العظيمة أمام رب العالمين سبحانه، وهو الواقف على السرائر والضمائر ؟ وما أجرأه على دعوى لم يدعها نبي من الأنبياء حتى خاتمهم صلى الله عليه وآله وعليهم على سعة معرفتهم ؟ ولا شك إن معرفته صلى الله عليه وآله أوسع، وقد أغرق فيها نزعا، ومع ذلك لم يؤثر عنه صلى الله عليه وآله تقحم الإمام في مناجات أو دعاء، ولا يصدر مثل هذا إلا عن إنسان معجب بنفسه، مغتر بعلمه، غير عارف بالله حق المعرفة .
والمغفل صاحب الرواية يحسب إن الإمام ادعاها في عالم الشهود فصدقه عليها هاتف عالم الغيب، وليس هذا الهتاف المنسوج بيد الاختلاق الأثيمة إلا دعاية على الإمام وعلى مذهبه الذي هو أتفه المذاهب الاسلامية فقها، ولو كانت الأمة تصدق هذه البشارة لمعتنقي ذلك المذهب، ويراها من رب البيت لا من الأساطير المزورة لوجب عليها أن يكونوا حنفيين جمعاء، غير إن الأمة لا تصافق على صحتها، رضي بذلك الإمام أم لم يرض .
وأعجب من هذا ما ذكره العلامة البرزنجي قال : ذهب بعض الحنفية إلى أن كلا من عيسى والمهدي يقلدان مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذكره بعض مشايخ الطريقة ببلاد الهند في تصنيف له بالفارسية شاع في تلك الديار، وكان بعض من يتوسم بالعلم من الحنفية، ويتصدر للتدريس يشهر هذا القول ويفتخر به ويقرره في مجلس درسه بالروضة النبوية .
وحكى الشيخ علي القاري عن بعضهم أنه قال : إعلم أن الله قد خص أبا حنيفة بالشريعة والكرامة، ومن كراماته : إن الخضر عليه السلام كان يجئ إليه كل يوم وقت الصبح ويتعلم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين، فلما توفي أبو حنيفة ناجى الخضر ربه
/ صفحة 132 /
قال : إلهي إن كان لي عندك منزلة فائذن لأبي حنيفة حتى يعلمني من القبر على حسب عادته حتى أعلم شرع محمد صلى الله عليه وسلم على الكمال ليحصل لي الطريقة والحقيقة، فنودي : أن اذهب إلى قبره وتعلم منه ما شئت فجاء الخضر وتعلم منه ما شاء كذلك إلى خمس وعشرين سنة أخرى حتى أتم الدلائل والأقاويل، ثم ناجى الخضر ربه وقال : يا إلهي ماذا أصنع فنودي : أن اذهب إلى صعالك واشتغل بالعبادة إلى أن يأتيك أمري إلى أن قال له : اذهب إلى البقعة الفلانية وعلم فلانا علم الشريعة ففعل الخضر عليه السلام ما أمر، ثم بعد مدة ظهر في مدينة ما وراء النهر شاب وكان اسمه أبا القاسم القشيري وكان يخدم أمه ويحترمها إلى أن قال : فأمر الله الخضر أن اذهب إلى القشيري وعلمه ما تعلمت من أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه أرضى أمه فجاء الخضر إلى أبي القاسم وقال : أنت أردت السفر لأجل طلب العلم وقد تركته لرضا أمك وقد أمرني الله تعالى أن أجئ إليك كل يوم على الدوام وأعلمك فكل يوم يجئ إليه الخضر حتى ثلاث سنين و علمه العلوم التي تعلم من أبي حنيفة في ثلاثين سنة، حتى علمه علم الحقايق والدقايق ودلائل العلم وصار مشهور دهره وفريد عصره حتى صنف ألف كتاب وصار صاحب كرامة وكثر مريدوه وتلاميذه، فكان له مريد كبير متدين لا يفارق الشيخ فعد له الشيخ ألف كتاب من مصنفاته ووضعه في الصندوق وأعطى لذلك المريد وقال : قد بدا لي أمر فاذهب وارم هذا الصندوق في جيحون، فحمل المريد الصندوق وخرج من عند الشيخ وقال في نفسه : كيف أرى مصنفات الشيخ في الماء ؟ لكن أذهب وأحفظ الكتب و أقول للشيخ : رميتها .
وحفظ الكتب وجاء وقال للشيخ : رميت الصندوق في الماء : قال الشيخ : وما رأيت في تلك الساعة من العلامات ؟ قال : ما رأيت شيئا قال الشيخ : اذهب وارم الصندوق .
فذهب المريد إلى الصندوق وأراد أن يرميه فلم يهن عليه ورجع إلى الشيخ مثل الأول وقال : رميته ؟ قال : نعم قال : وما رأيت ؟ قال : لم أر شيئا .
قال الشيخ : ما رميته فاذهب وارمه فإن لي فيها سرا مع الله ولا ترد أمري .
فذهب المريد ورمى الصندوق فخرج من الماء يد وأخذ الصندوق قال المريد له من أنت ؟ فنادى في الماء : إني وكلت أن أحفظ أمانة الشيخ، فرجع المريد وجاء إلى الشيخ فقال : رميت ؟ قال : نعم .

/ صفحة 133 /
قال : وما رأيت ؟ قال : رأيت الماء قد انشق وخرج منه يد وأخذ الصندوق وقد صرت متحيرا وما السر في ذلك ؟ قال الشيخ : السر في ذلك إنه إذا قربت القيامة وخرج الدجال ونزل عيسى ببيت المقدس فيضع الانجيل بجنبه ويقول : أين الكتاب المحمدي ؟ أو قد أمرني الله أن أحكم بينكم بكتابه ولا أحكم بالإنجيل فيطلبون الدنيا ويطوفون البلاد فلم يوجد كتاب من كتب الشرع المحمدي فيتحير عيسى ويقول : إلهي : بماذا أحكم بين عبادك ولم يوجد غير الانجيل فينزل جبريل ويقول : قد أمر الله أن تذهب إلى نهر جيحون وتصلي ركعتين بجنبه وتنادي : يا أمين صندوق أبي القاسم القشيري ! سلم إلي الصندوق وأنا عيسى بن مريم وقد قتلت الدجال فيذهب عيسى إلى جيحون ويصلي ركعتين ويقول مثل ما أمره جبريل، فيشق الماء ويخرج الصندوق ويأخذه ويفتحه ويجد فيه ختمه وألف كتاب فيحيي الشرع بذلك الكتاب، ثم سأل عيسى جبريل : بم نال أبو القاسم هذه المرتبة ؟ فقال : برضاء والدته . نقل من كتاب أنيس الجلساء (1) .
وقد أطنب الشيخ علي القاري في رد هذه الأسطورة بعدة صحائف إلى أن قال في ص 230 : ثم إن مثل هؤلاء لفرط تعصبهم وعنادهم ليس مطمح نظرهم إلا تفضيل أبي حنيفة ولو بما لا أصل له، ولو بما يؤدي إلى الكفر وليس عندهم علم بفضائله الجمة التي ألفت فيها الكتب (2) فيرضون بالأكاذيب والافترائات التي لا يرضاها الله ورسوله ولا أبو حنيفة نفسه، ولو سمعها أبو حنيفة رضي الله عنه لأفتى بكفر قائلها وفي فضائل أبي حنيفة المقررة المحررة كفاية لمحبيه ولا يحتاج في إثبات فضله إلى الأقوال الكاذبة المفتراة المؤدية إلى تنقيص الأنبياء، ومن العجائب إنه وقع للقهستاني مع فضله وجلالته شئ من ذلك فقال في شرح خطبة النقابة : إن عيسى إذا نزل عمل بمذهب أبي حنيفة كما ذكره في الفصول الستة .
وليت شعري ما الفصول الستة ؟ وما الدليل على هذا القول ؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون .. الخ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الاشاعة في أشراط الساعة تأليف السيد محمد البرزنجي المدني 221 - 225 .
(2) الكتب المؤلفة في فضائل أبي حنيفة حوت بين دفتيها لدة هذه الترهات والأكاذيب المزخرفة وما أكثرها ؟ ولو لم يكن الباطل الذي لا أصل له مأخوذا به فيها إذا لم تلق منها باقية .

/ صفحة 134 /
وفي مفتاح السعادة 1 : 275، و ج 2 : 82 : إن أبا حنيفة رحمه الله تعالى رأى كأنه ينبش قبر النبي صلى الله عليه وآله ويجمع عظامه إلى صدره فهالته الرؤيا فقال ابن سيرين : هذه رؤيا أبي حنيفة فقال : أنا أبو حنيفة فقال ابن سيرين : اكشف عن ظهرك فكشف فرأى خالا بين كتفيه فقال : أنت الذي قال عليه الصلاة والسلام : يخرج في أمتي رجل يقال له : أبو حنيفة بين كتفيه خال يحيي الله تعالى ديني على يديه، ثم قال ابن سيرين : لا تخف إنه صلى الله عليه وآله مدينة العلم وأنت تصل إليها فكان كما قال .
إقرأ وابك على أمة محمد المرحومة بأي أناس بليت، وبأي خلق منيت ؟ ! ما حيلة الجاهل الغر وما ينجيه عن هذه السخائف والأساطير ؟ !

- 34 -
أبو زرعة يجعل الحصاة تبراً
روى الذهبي في تذكرة الحفاظ 1 : 174 عن خالد بن الفزر قال : كان حياة بن شريح - أبو زرعة المصري شيخ الديار المصرية المتوفى 158 - من البكائين : وكان ضيق الحال جدا، فجلست وهو متخل يدعو فقلت : لو دعوت أن يوسع الله عليك فالتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا فأخذ حصاة فرمى إلي بها فإذا هي تبرة ما رأيت أحسن منها .
وقال : ما خير في الدنيا إلا للآخرة، ثم قال : هو أعلم بما يصلح عباده فقلت : وما أصنع بهذا ؟ قال : استنفقها .
فهبته والله أن أرده .
- 35 -
وضوء إبراهيم الخراساني
ذكر اليافعي في (رياض الرياحين) عن إبراهيم الخراساني المتوفى 163 قال : قال : احتجت يوما إلى الوضوء فإذا أنا بكوز من جوهر، وسواك من فضة ألين من الخز فاستكت وتوضأت وتركتها وانصرفت، قال : وبقيت في بعض سياحاتي أياما لم أر فيها أحدا من الناس ولا طيرا ولا ذا روح، وإذا بشخص لا أدري من أين خرج فقال لي : قل لهذه الشجرة تحمل دنانير . فقلت : احملي دنانير .
فلم تحمل، ثم قال لها : احملي وإذا بشماريخ الشجرة دنانير معلقة، فاشتغلت انظر إليها، ثم التفت فلم أر الشخص وذهبت الدنانير من الشجرة .

/ صفحة 135 /
قال الأميني : إقرأ وابك على الاسلام وعلى تاريخه، وانظر كيف شوهت صفحاته .

- 36 -
الماجشون يموت ويحيى
أخرج الحافظ يعقوب بن أبي شيبة في ترجمة أبي يوسف يعقوب بن أبي سلمة القرشي الشهير بالماجشون المتوفى 164 بالاسناد عن ابن الماجشون قال : قال عرج بروح الماجشون فوضعناه على سرير الغسل فدخل غاسل إليه يغسله فرأى عرقا يتحرك في أسفل قدمه، فأقبل علينا وقال : أرى عرقا يتحرك ولا أرى أن اعجل عليه فاعتللنا على الناس بالأمر الذي رأيناه، وفي الغد جاء الناس وغدا الغاسل عليه فرأى العرق على حاله فاعتذرنا إلى الناس، فمكث ثلاثا على حاله والناس يترددون إليه ليصلوا عليه ثم استوى جالسا وقال : ايتوني بسويق فأتي به فشربه فقلنا له : خبرنا ما رأيت ؟ فقال : نعم عرج بروحي فصعد بي الملك حتى أتى سماء الدنيا فاستفتح ففتح له، ثم عرج هكذا في السموات حتى انتهى إلى السماء السابعة فقيل له : من معك ؟ قال : الماجشون .
فقيل له : لم يأن له بعد بقي من عمره كذا وكذا سنة، وكذا وكذا شهرا، وكذا وكذا يوما، وكذا وكذا ساعة، ثم حبط بي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعمر بن عبد العزيز بين يديه، فقلت للملك الذي معي : من هذا ؟ قال : عمر بن عبد العزيز .
قلت : إنه لقريب من رسول الله فقال : إنه عمل بالحق في زمن الجور وأنهما عملا بالحق في زمن الحق .
وأخرجه ابن عساكر في تاريخ الشام، وذكره ابن خلكان في تاريخه 2 : 461، واليافعي في مرآة الجنان 1 : 351، وابن حجر في تهذيب التهذيب 11 : 389، وأبو الفلاح الحنبلي في شذرات الذهب 1 : 259 .
قال الأميني : ما كنت أحسب أن يوجد في الأمة الإسلامية من يتهم الملك الموكل بقبض الأرواح بالجهل بآونة الوفيات، وقد وكل به من عند العزيز العليم فقال سبحانه : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم (1) أو من يقذفه بالاستبداد في نزع روح أحد قبل إرادة المولى سبحانه وتعالى وفي الكتاب المنزل قوله : الله يتوفى الأنفس حين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة السجدة : 11 .

/ صفحة 136 /
موتها (1) وهو الذي يحيي ويميت (2) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا (3) لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين (4) هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى (5) ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (6) ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى (7) ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى (8) فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل (9) إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون (10) .
فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا (11) .
كما إني ما كنت أشعر إمكان حركة جارحة من جوارح الميت بعد نزع روحه، فلم أدر بأي صلة بالروح المقبوضة كان يتحرك العرق الماجشوني خلال ثلاثة أيام، والي أي مركز حساس كانت صلة ذلك العرق النابض وما كنت أدري إن السموات العلى لها أبواب مغلقة يقف عندها ملك الموت في كل عروجه بروح من الأرواح فيستفتح فتفتح له .
وليتني أدري هل هذا السير البطئ - ثلاثة أيام - لملك الموت في استصحابه روح الماجشون يخص بالماجشون فحسب أو هو الشأن المطرد في عامة الأرواح ؟ نعم كل هذه تسوغها الدعاية إلى السلطات الأموية الغاشمة التي كانت تحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الزمر : 42 .
(2) سورة المؤمنون : 80 .
(3) سورة آل عمران : 145 .
(4) سورة الدخان : 8 .
(5) سورة الأنعام : 3 .
(6) سورة الأعراف : 34 .
(7) سورة النحل : 61 .
(8) سورة فاطر : 45 .
(9) سورة الزمر : 42 .
(10) سورة نوح : 54 .
(11) سورة فاطر : 45 .

/ صفحة 137 /
على الأمة في تلكم الأيام .

- 47 -
رقعة من الله إلى أحمد إمام الحنابلة
مرض بشر بن الحارث وعادته آمنة الرملية فبينما هي عنده إذ دخل الإمام أحمد ابن حنبل يعوده كذلك فنظر إلى آمنة فقال لبشر : فاسألها تدعو لنا فقال لها بشر : ادعي الله لنا، فقالت : أللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين .
قال الإمام أحمد رضي الله عنه : فلما كان من الليل طرحت إلى رقعة من الهواء مكتوب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم قد فعلنا ذلك ولدينا مزيد .
أخرجه ابن عساكر في تاريخه 2 : 48، وابن الجوزي في صفة الصفوة 4 : 278 .

- 38 -
رسول الياس وملك إلى أحمد
ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 143 بالإسناد عن أبي حفص القاضي قال : قدم على أبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل من بحر الهند فقال : إني رجل من بحر الهند خرجت أريد الصين فأصيب مركن فأتاني راكبان على موجة من أمواج البحر فقال لي أحدهما : أتحب أن يخلصك الله على أن تقرئ أحمد بن حنبل منا السلام ؟ قلت : ومن أحمد ؟ ومن أنتما يرحمكما الله ؟ قال : أنا إلياس وهذا الملك الموكل بجزاير البحر، وأحمد بن حنبل بالعراق.
قلت : نعم .
فنفضني البحر نفضة فإذا أنا بساحل الأبلة فقد جئتك أبلغك منهما السلام .

- 39 -
النخلة تحمل بقلم أحمد
قال أبو طالب علي بن أحمد : دخلت يوما على أبي عبد الله وهو يملي وأنا أكتب فاندق قلمي فأخذ قلما فأعطانيه فجئت بالقلم إلى أبي علي الجعفري فقلت : هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه فقال لغلامه : خذ القلم فضعه في النخلة عسى تحمل . فوضعه فيها فحملت . مختصر طبقات الحنابلة ص 11 .

/ صفحة 138 /

- 40 -
تكة سراويل أحمد
قال ابن كثير في تاريخه 10 : 335 : يروى أنه لما أقيم - أحمد بن حنبل - ليضرب - لما ضربه المعتصم - إنقطعت تكة سراويله فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرك شفتيه فدعا الله فعاد سراويله كما كان، ويروى أنه قال : يا غياث المستغيثين، يا إله العالمين، إن كنت تعلم أني قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة .

- 41 -
الحريق والغريق وكرامة أحمد
روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 297 بإسناده عن فاطمة بنت أحمد قالت : وقع الحريق في أخي صالح وكان قد تزوج إلى قوم مياسير فحملوا إليه جهازا شبيها بأربعة آلاف دينار فأكلته النار فجعل صالح يقول : ما غمني ما ذهب مني إلا ثوب لأبي كان يصلي فيه أتبرك به وأصلي فيه قالت : فطفى الحريق ودخلوا فوجدوا الثوب على سرير قد أكلت النار ما حواليه والثوب سليم .
قال ابن الجوزي : قلت : وهكذا بلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي إنه وقع الحريق في دارهم فاحترق ما فيها إلا كتابا كان فيه شيئ بخط أحمد .
وقال : قلت : ولما وقع الغرق ببغداد في سنة أربع وخمسين وخمسمأة وغرقت كتبي سلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام أحمد .
وقال الذهبي في ذيل العبر عند ذكر ما وقع سنة 725، واليافعي في المرآة : ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله وبقيت البواري عليها غبار حول القبر، صح هذا عندنا، وجر السيل أخشابا كبارا وحيات غريبة الشكل .
مرآت الجنان 4 : 273، شذرات الذهب 6 : 66، صلح الإخوان للخالدي ص 98 .
قال الأميني : وكفى شاهدا على صدق هذه الكرامة عدم وجود أي أثر من ذلك
/ صفحة 139 /
المرقد المعظم اليوم، وقد جرفته السيول، وعفت رسمه، كأن لم يكن، وغدا حديث أمس الدابر .

- 42 -
الله يزور أحمد كل عام
روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 454 قال : حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخا صالحا قال : كان قد جاء في بعض السنين مطر كثير جدا قبل دخول رمضان بأيام فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف (1) أو سافين فقلت : إنما تم هذا على قبر الإمام أحمد بن كثرة الغيث فسمعته من القبر وهو يقول : لا بل هذا من هيبة الحق عز وجل لأنه عز وجل قد زارني، فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل : يا أحمد ! لأنك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب .
فأقبلت على لحده اقبله ثم قلت : يا سيدي ما السر في إنه لا يقبل قبر إلا قبرك ؟ فقال لي : يا بني ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن معي شعرات من شعره صلى الله عليه وسلم ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان قال ذلك مرتين .
مرت في زيارة إمام الحنابلة أحمد في الجزء الخامس ص 175 - 178 لدة هذه من آيات الغلو .
فراجع ويا حبذا لو صدقت الأحلام .

- 43 -
أحمد والملكان النكيران
ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 454 عن عبد الله بن أحمد يقول : رأيت أبي في المنام فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي .
قلت : جاءك منكر ونكير ؟ قال : نعم، قالا لي : من ربك ؟ قلت : سبحان الله أما تستحيان مني ؟ فقالا لي : يا أبا عبد الله ! أعذرنا بهذا أمرنا .
قال الأميني : ما أجرأ الإمام على الملكين الكريمين في ذلك المأزق الحرج ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الساف والسافة : الصف من الطين أو اللين ج آسف وسافات .

/ صفحة 140 /
وما أجهله بالناموس المطرد من سؤال القبر وإنه بأمر من الله العلي العزيز ؟ حتى جابه الملكين بذلك القول الخشن، ما أحمد وما خطره ؟ وقد جاء في الرواية : إن عمر ارتعد منهما لما دخلا عليه (1) وكان عمر بمحل من المهابة على حد قول عكرمة : إنه دعا حجاما فتنحنح عمرو كان مهيبا فأحدث الحجام، فأعطاه عمر أربعين درهما(2).
وعلى الملكين أن يشكرا الله سبحانه على أن كف الإمام عن أن يصفعهما فيفقأ عينهما كما فعل موسى بملك الموت في مزعمة أبي هريرة (3) فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله إليه عينه .
كما في سنن النسائي 4 : 118 .
وفي لفظ الطبري في تاريخه 1 : 224 : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه قال : فرجع فقال : يا رب ! إن عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه .
فقال: ائت عبدي موسى فقل له : فليضع كفه على متن ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة، وخيره بين ذلك وبين أن يموت الآن .
قال : فأتاه فخيره فقال له موسى : فما بعد ذلك ؟ قال : الموت .
قال : فالآن إذا .
قال : فشمه شمة قبض روحه، قال : فجاء بعد ذلك إلى الناس خفيا .
وأخرج الحكيم الترمذي مرفوعا : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى جاء موسى فلطمه ففقأ عينه فصار يأتي الناس بعد ذلك خفية .
ذكره الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي ص 29 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) قال السيد الجرداني في مصباح الظلام ج 2 ص 56 : إن الله تعالى أعطى عليا علم البرزخ فلما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس علي على قبره ليسمع قوله للملكين، فلما دخلا عليه ارتعد منهما ثم أجاب فقالا له : نم .
فقال : كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرعدة ؟ وقد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أشهد عليكما الله وملائكته أن لا تدخلا على مؤمن إلا في أحسن صورة ففعلا .
فقال له علي بن أبي طالب : نم يا ابن الخطاب ! فجزاك الله من المسلمين خيرا لقد نفعت الناس في حياتك ومماتك. اقرأ واضحك .
(2) طبقات ابن سعد 3 : 206، تاريخ بغداد 14 : 215، تاريخ عمر لابن الجوزي ص 99، كنز العمال 6 : 331 .
(3) راجع صحيح البخاري 1 : 158 في أبواب الجنائز، و ج 2 : 163 باب وفاة موسى، صحيح مسلم 2 : 309 باب فضائل موسى، مسند أحمد 1 : 315، العرائس للثعلبي ص 139 .

/ صفحة 141 /
ما أعيى هذا الملك [المأخوذ فيه البأس والشدة من الله شديد البطش] حتى تمكن منه إنسان فصفعه وفقأ عينه ؟ ثم لم يزل الخوف مزيج نفسيته حتى تخفى عن الذين هم في قبضته، ورهن تصرفه، حيث وكل بهم وبقبض أرواحهم، ولا كرامة لهم على الله ككرامة موسى النبي عليه السلام فيحاذر الصفعة منهم .
وإن تعجب فعجب إن مرسل ملك الموت وهو الله سبحانه لم لم يعطه بأسا يفوق كل بأس وهو يعلم من خلق، وإن فيهم من يجرأ على رسوله فيصفعه فيفقأ عينه، وفيهم من يخافه الرسول فيخفي نفسه عنه ؟ أكان ذلك غفلة ؟ أم أن خزانة القدرة قد نفدت ؟ أم لم يكن يعلم ما يقع - وهو علام الغيوب - حتى وقعت الواقعة ؟ أم لم يكن في صفوف الموظفين بعالم الملكوت أي تدريب حتى يتمكنوا مقابلة الشدايد إلى عهد موسى، ثم اطرد التدريب بإخفاء الموظف نفسه عند تنفيذ وظيفته ؟ ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
وهلم معي إلى النبي المعصوم موسى على نبينا وآله وعليه السلام ونراه كيف يتجرأ على ملك الموت، وهو يعلم إنه رسول من الله العظيم، وإنه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وإنه لا تجديه الصفعة والفقأة، وعلى فرض أن يهرب عنه هذا الرسول أو ينسحب عنه بانتظام فإنه يأتيه غيره أشد منه بأسا، لأن الله سبحانه مميته لا محالة، ولا مرد لمجري قضائه، وهب إنه تخلص من بأس هذا الملك فهل يتخلص من بأس مرسله المنتقم القهار، وقد أثار غضبه بمجابهة ممثله ؟ أبعد الله الإفك والزور عليه سبحانه وعلى رسوله وملائكته، وانتقم من كل أفاك أثيم .
أضف إلى ذلك كله ما قاله سيدنا الحجة شرف الدين العاملي في كتاب أبي هريرة ص 86 مما لفظه : ونحن لم برئنا من أصحاب الرس وفرعون موسى وأبي جهل وأمثالهم ولعناهم بكرة وأصيلا ؟ أليس ذلك لأنهم آذوا رسل الله حين جاؤوهم بأوامره ؟ فكيف نجوز مثل فعلهم على أنبياء الله وصفوته من عباده ؟ حاشا لله إن هذا لبهتان عظيم .
ثم إن من المعلوم إن قوة البشر بأسرهم، بل قوة جميع الحيوانات منذ خلقها
/ صفحة 142 /
الله تعالى إلى يوم القيامة لا تثبت أمام قوة ملك الموت فكيف (والحال هذه) تمكن موسى عليه السلام من الوقيعة فيه ؟ وهلا دفعه الملك عن نفسه، مع قدرته على إزهاق روحه، وكونه مأمورا من الله تعالى بذلك ؟ ومتى كان للملك عين يجوز أن تفقأ ؟ ! ولا تنس تضييع حق الملك وذهاب عينه ولطمته هدرا إذ لم يؤمر الملك من الله بأن يقتص من موسى صاحب التوراة التي كتب الله فيها : إن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن والجروح قصاص (1) ولم يعاتب الله موسى على فعله هذا بل أكرمه إذ خيره بسببه بين الموت والحياة سنين كثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور .
وما أدري ما الحكمة في ذكر شعر الثور بالخصوص ؟ ! الخ .
هذه جملة مما وجدنا من كرامات الإمام أحمد، وكم وكم لها من نظير ؟ وأنت حدث العاقل بما لا تقبله عقله فإن صافقك عليه فهو معتوه، لكن القوم عقلاء وقبلوها، ونحن إذا عزونا ما هو أخف وأخف وطئة من هذه مما يساعده العقل والمنطق والاعتبار إلى أئمة أهل بيت الوحي عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فهنالك الجلبة واللغط، والتركاض والصخب، وهتاف من شتى الجوانب : هذا لا يكون، هذا غير معقول، حديث واه، هذا قول غلاة الشيعة، هذا قول الرافضة، هذا لا يصح وإن صح إسناده، إسناده صحيح غير إن في قلبي منه شيئا، هذا لا يصح وإن جاء بألف طريق .
إلى أمثال هذه التهجمات الفارغة .

- 44 -
إمام المالكية يرى النبي صلى الله عليه وآله كل ليلة
ذكر الحريفيش في (الروض الفائق) ص 270 قال : قال المثنى بن سعيد القصير :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إشارة إلى الآية 45 من سورة المائدة وقد وجدنا في الفقرة ال‍ 23 من الأصحاح 21 من اصحاحات الخروج من التوراة الموجودة في أيدي اليهود والنصارى في هذه الأيام ما هذا لفظه : إن حصلت أذية تعطى نفسا بنفس، وعينا بعين، وسنا بسن، ويدا بيد، ورجلا برجل، وكيا بكي، وجرحا بجرح، ورضا برض .

/ صفحة 143 /
سمعت مالكا - إمام المالكية - يقول : ما بت ليلة إلا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها .
قال الأميني : هل يكذب الإمام في دعواه الذي لا يعلم إلا من قبله ؟ أو يرمى ابن سعيد بالإفك وإن كان قصيرا ؟ أو يعاتب الحريفيش في نقله وإن كان مصغرا ؟ وللإمام مالك موقف خطر مع الملكين العظيمين : منكر ونكير، لا يقل عن موقف الإمام أحمد معهما ذكره الشعراني في الميزان 1 : 46 قال : لما مات شيخنا شيخ الاسلام الشيخ ناصر الدين اللقاني رآه بعض الصالحين في المنام فقال له : ما فعل الله بك ؟ فقال : لما أجلسني الملكان في القبر ليسألاني أتاهم الإمام مالك فقال : مثل هذا يحتاج إلى سؤال في إيمانه بالله ورسوله ؟ تنحيا عنه، فتنحيا عني .
قال الأميني : ألا من معبر يعبر هذه الأحلام ؟ ولعل كل فرد من المعبرين يقول : أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين .
وإن اتخذها الحفاظ كأصل مسلم استندوا إليها عند المغالاة في الفضائل .
كأن الملكين لم يكن عندهما عرفان بمن يحتاج إلى سؤال في إيمانه، ولم يكن هنالك ناموس مطرد من المولى سبحانه يتبعانه، أعوذ بالله من ضئولة العقل .

- 45 -
الملكان وأبو العلاء الهمداني
قال ابن الجوزي في المنتظم 10 : 248 : رأى شخص إن يدين خرجتا من محراب مسجد فقال : ما هذه اليدان ؟ فقيل : هذه يد آدم بسطها ليعانق أبا العلاء الحافظ - الحسن بن أحمد المتوفى 569 - وإذا بأبي العلاء قد أقبل، قال : فسلمت عليه فرد علي السلام وقال : يا فلان ! رأيت ابني أحمد حين قام على قبري يلقنني ؟ أما سمعت صوتي حين صبحت ؟ على الملكين ؟ فما قدرا أن يقولا شيئا فرجعا .
نظرا إلى هذه المزعمة يجب أن يكون أبو العلاء أشجع من عمر الذي خاف النكيرين وارتعد منهما، ثم لما قالا له : نم .
قال : كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرعدة وقد صحبت النبي صلى الله عليه وآله (1) ولعلهما قبلا وصية عمر لما أنشدهما أن لا يأتيا مؤمنا إلا بصورة جميلة ففعلا، فلم يهبهما أبو العلاء فصاح عليهما، وخاشنهما الإمام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مر تمام القصة في ص 140 من هذا الجزء .

/ صفحة 144 /
أحمد، وطردهما مالك عن ناصر الدين اللقاني، أو أنهما أتى عليهما الشيخوخة والهرم منذ عهد الخليفة إلى هذه العصور المتأخرة، وبلغ منهما الضعف فأخفق بسالتهما، فلم يهب جانبهما، وإلى الغاية لم ينكشف لنا سر تسليط المولى سبحانه هؤلاء الأعلام على الملكين الكريمين، وفيه اختلال النظام المقرر المطرد الإلهي، نعوذ بالله من هذه المزاعم التافهة كلها .

- 46 -
غمامة تظل على جنازة
قال الحافظ الجزري في طبقات القراء 2 : 271 : توفي ابن الأخرم محمد بن النضر الدمشقي سنة 241 / 2 بدمشق قال عبد الباقي : وصليت عليه في المصلى بعد صلاة الظهر وكان يوما صائفا وصعدت غمامة على جنازة من المصلى إلى قبره فكانت شبه الآية .
قال الأميني :
وفي كل شيء له آية * تـــدل عـلى إنه واحد

- 47 -
شاب ينظر الإذن من ربه
ذكر الحريفيش في الروض الفائق ص 126 عن ذي النون المصري أنه قال : رأيت شابا عند الكعبة يكثر الركوع والسجود فدنوت منه وقلت له : إنك لتكثر الصلاة، فقال : أنتظر الإذن من ربي في الانصراف، قال : فرأيت رقعة سقطت فيها مكتوب : من العزيز الغفور إلى عبدي الصادق : إنصرف مغفورا لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر .
قال الأميني : لقد جنى من نزلت إليهم هذه الرقاع (1) حيث لم يوصوا بالتحفظ عليها لتستفيد بها الأمة وتتبرك بها في أجيالها المتأخرة وتتخذها معتبرا عوضا عن أن تكون خبرا، وتزدان بها متاحف الآثار، لكن لهم عذرا وهو إنهم لم يشاهدوها فلم يوصوا بها، وإنما هي شباك طنبت لاقتناص الأغرار من أمة محمد صلى الله عليه وآله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وما أكثرها وألطفها ؟ راجع ما مر في هذا الجزء ص 121، 125، 137، وما يأتي .

شجرة أم غيلان تثمر رطبا
قال بكر بن عبد الرحمن رحمه الله : كنا مع ذي النون المصري - المتوفى 245 - في البادية فنزلنا تحت شجرة أم غيلان فقلنا : ما أطيب هذا الموضع لو كان فيه رطب ؟ فتبسم ذو النون وقال : تشتهون رطبا ؟ وحرك الشجرة وقال : أقسمت عليك بالذي أنبتك وخلقك شجرة إلا ما نثرت علينا رطبا جنيا، ثم حركها فنثرت رطبا فأكلنا وشبعنا، ثم نمنا وانتبهنا وحركنا الشجرة فنثرت علينا شوكا .
الروض الفائق ص 126، مرآت الجنان لليافعي 2 : 151 وقال : ذكره خلائق من الصالحين، ورواه عنهم كثير من العلماء العاملين .
قال الأميني : إلى المولى سبحانه نبتهل في أن يهب لأولئك الصالحين والعلماء العاملين عقلا وافيا يزعهم عن الخضوع للخرافات .

- 49 -
ابن أبي الجواري في التنور
روى ابنا عساكر وكثير : إن أحمد بن أبي الحواري (1) كان قد عاهد أبا سليمان الداراني ألا يغضبه ولا يخالفه فجاءه يوما وهو يحدث الناس فقال : يا سيدي ! هذا قد سجروا التنور، فماذا تأمر ؟ فلم يرد عليه أبو سليمان لشغله بالناس، ثم أعادها أحمد ثانية وقال له في الثالثة : إذهب فاقعد فيه .
ثم اشتغل أبو سليمان في حديث الناس، ثم استفاق فقال لمن حضره : إني قلت لأحمد : إذهب فاقعد في التنور وإني أحسب أن يكون قد فعل ذلك، فقوموا بنا إليه فذهبوا فوجدوه جالسا في التنور ولم يحترق منه شئ ولا شعرة واحدة . تاريخ ابن كثير 10 : 348 .
ألا تعجب من ابن كثير يسجل أمثال هذه الأسطورة كحقايق ثابتة ثم لما يبلغ به السير والبحث إلى فضيلة معقولة من فضائل أهل بيت الوحي عليهم السلام أربد وجهه، وأزبد فمه، وعاد صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء، وأطلق لسانه البذي على من جاء بذلك الذكر الشذي ؟ كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أحد الأعلام يروي عنه أبو داود وابن ماجة وأبو حاتم توفي 246 .

/ صفحة 146 /

- 50 -
كتاب من الله إلى ابن الموفق
عن أبي الحسن علي بن الموفق المتوفى 265 قال : خرجت يوما لاؤذن فأصبت قرطاسا فأخذته ووضعته في كمي فأذنت وأقمت وصليت فلما صليت قرأته فإذا فيه مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن الموفق ! تخاف الفقر وأنا ربك ؟ .
تاريخ الخطيب البغدادي 12 : 112، صفة الصفوة لابن الجوزي 2 : 218 .
كان حقا على الحافظين الخطيب وابن الجوزي أن يذكرا شطرا من حياة هذا الرجل بعد الكتاب المذكور المغمورة باليسار والنعمة لتكون تصديقا للخبر وشاهدا على صحة المزعمة، لكنهما أغفلا عن ذلك فلم يقم لنا شاهد ولا حجة .

- 51 -
الحوراء تكلم أبا يحيى
قال أبو يحيى زكريا بن يحيى الناقد (1) : إشتريت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلما كان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء وهي تقول : وفيت بعهدك فها أنا التي قد اشتريتني .
تاريخ بغداد للخطيب 8 : 462، المنتظم لابن الجوزي 6 : 8، مناقب أحمد لابن الجوزي ص 510 .
ليس لك أن تناقش في المدة التي ختم أبو يحيى فيها الأربعة آلاف ختمة، فإن من الممكن عند القوم أن يختمها في بضع دقايق فإن أبا مدين المغربي كان يختم في اليوم والليلة سبعين ألف ختمة .
راجع الجزء الخامس ص 35 .

- 52 -
دعاوى سهل بن عبد الله التستري
ذكر الشعراني في طبقات الأخيار 1 : 158 نقلا عن كتاب (الجواهر) لسهل بن عبد الله التستري المتوفى 283 أنه قال : أشهدني الله تعالى ما في العلى وأنا ابن ست سنين، ونظرت في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السماء وأنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أحد الأعلام المجتهدين وأئمة الحديث من تلمذة أحمد بن حنبل إمام الحنابلة توفي سنة 285 .

/ صفحة 147 /
ابن تسع سنين، ورأيت في السبع المثاني حرفا معجما حار فيه الجن والإنس ففهمته، وحمدت الله على معرفته، وحركت ما سكن وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى وأنا ابن أربع عشرة سنة .
قال الأميني : ليت شعري متى ما أشهد الله ما في العلى نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة ؟ ومتى ما نظر صلى الله عليه وآله في اللوح المحفوظ وفك طلسم السماء ؟ وهل رأى ذلك الحرف المعجم الذي حار فيه الجن والإنس وفهمه، وهل حرك وسكن بإذن الله ؟ أيم الله إن هذه الأساطير المشمرجة لا يبوح بها إلا من يتخبطه الشيطان من المس وإن هي إلا سم ناقع على روح الاسلام، تمس كرامة الأولياء، وتشوه سمعة الأمة المسلمة، وتسود صحيفة تاريخها عند الأمم، وتضحك الملأ على عقلية أولئك المؤلفين الذين جمعت بيراعهم أشتات التاريخ الاسلامي .

- 53 -
سهل وجبل قاف
عن سهل بن عبد الله قال : صعدت جبل قاف فرأيت سفينة نوح مطروحة فوقه .
و قيل لأبي يزيد رضي الله عنه : هل بلغت جبل قاف ؟ فقال : جبل قاف أمره قريب بل جبل كاف وجبل صاد وجبل عين وهي محيطة بالأرض حول كل أرض جبل بمنزلة حائطها، وجبل قاف بهذه الأرض وهي أصغر الأرضين، وهو أيضا أصغر الجبال، وهو جبل من زمردة خضراء وقيل : إن خضرة السماء من خضرته .
وروي : إن الدنيا كلها خطوة للولي .
وحكي : إن وليا من أولياء الله تعالى احتاج إلى النار فرفع يده إلى القمر فاقتبس منه جذوة في خرقة كانت معه(1).
قال الأميني : حقا قيل : الجنون فنون : وأيم الله يميت القلب ويجلب الهم ضياع التاريخ الاسلامي بيد هؤلاء المعشوذين الذين شوهوا صحائفه بأمثال هذه الترهات التي لم يخلق مثلها في أساطير الأولين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روض الرياحين لليافعي 172 .

/ صفحة 148 /
- 54 -
وحشي أتي بماء الوضوء
قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه : أول ما رأيت من العجائب والكرامات إني خرجت يوما إلى موضع خال فطاب لي المقام فيه فوجدت من قلبي قربا إلى الله تعالى وحضرت الصلاة وأردت الوضوء وكانت عادتي من صباي تجديد الوضوء لكل صلاة، فكأني اغتممت لفقد الماء، فبينما أنا كذلك وإذا دب يمشي على رجليه كأنه إنسان معه جرة خضراء قد أمسك بيديه عليها، فلما رأيته من بعيد توهمت إنه آدمي حتى دنا مني وسلم علي ووضع الجرة بين يدي، فجاءني اعتراض العلم فقلت : هذه الجرة والماء من أين هو ؟ فنطق الدب وقال : يا سهل ! إنا قوم من الوحوش قد انقطعنا إلى الله تعالى بعزم المحبة والتوكل، فبينما نحن نتكلم مع أصحابنا في مسألة إذ نودينا : ألا إن سهلا يريد ماء ليجدد الوضوء .
فوضعت هذه الجرة بيدي وإذا بجنبي ملكان فدنوت منهما فصبا فيها الماء من الهواء وأنا أسمع خرير الماء .
إلى آخر القصة . روض الرياحين ص 104، 105 .
قال الأميني : سل عن هذه العجائب الدب الطلق الذلق صاحب الجرة الخضراء، أو بقية الوحوش المنقطعة إلى الله بعزم المحبة والتوكل، أو سل الملكين إن سهل لك السبيل إليهما، وإن لم تجدهما فسل عقلك واتخذه حكما، واستعذ بالله من هذه الأوهام المخزية .

- 55 -
قصة فيها كرامتان
قال عبد الله بن حنيف رحمه الله : دخلت بغداد قاصدا الحج ولم آكل الخبز أربعين يوما ولم أدخل على الجنيد وكنت على طهارة فرأيت ظبيا على رأس البئر وهو يشرب وكنت عطشانا، فلما دنوت إلى البئر ولى الظبي فإذا الماء في أسفل البئر فمشيت وقلت : يا سيدي مالي محل هذا الظبي ؟ فنوديت من خلفي : جربناك فلم تصبر فارجع وخذ فرجعت فإذا البئر ملآنة ماء فملأت ركوتي فكنت أشرب منه وأتطهر إلى المدينة ولم أنفد، ولما استقيت سمعت هاتفا يقول : إن الظبي جاء بلا ركوة ولا حبل، وأنت
/ صفحة 149 /
جئت معك الركوة .
فلما رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد علي قال : لو صبرت ولو ساعة لنبع الماء من تحت رجليك . الروض الفائق ص 127 .
قال الأميني : أوهام متراكمة بعضها فوق بعض، وهل ترك الجنيد للأنبياء والرسل علما بالمغيب لم يبح به، وهل أتي البئر العميقة ولي من الأولياء بلا ركوة ولا حبل كالظباء اللاتي يفقدنهما ولا يسعهن التأهب بأمثالهما، وأما الانسان العادي فليس له وهو سار في عالم الأسباب إلا أن يحمل معه أدوات حاجته، هكذا خلق الله البشر، وهو ظاهر كثير من الأحاديث الشريفة .
وحسبك سيرة النبي الأعظم والمرسلين من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين .
وكلهم لله أولياء، وجميعهم أفضل من ابن حنيف .

- 56 -
حلق اللحية لله
أخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 10 : 370 قال : سمعت أبا نصر يقول : سمعت أحمد بن محمد النهاوندي يقول : مات للشبلي (1) ابن كان اسمه غالبا، فجزت أمه شعرها عليه، وكان للشبلي لحية كبيرة فأمر بحلق الجميع، فقيل له : يا أستاذ ! ما حملك على هذا ؟ فقال : جزت هذه شعرها على مفقود، فكيف لا أحلق لحيتي أنا على موجود ؟ قال الأميني : أهلا بالناسك الفقيه، ومرحبا بالأولياء أمثال هذا المتخلع الجاهل بحكم الشريعة، وزه بمدون أخبارهم، ومنتفي آثار الأوحديين منهم كأبي نعيم، كيف خفي على هذا الفقيه البارع في مذهب مالك فتوى مالك وحرمة حلق اللحية، وإصفاق بقية الأئمة معه على ذلك ؟ كيف خفي عليه الحكم ؟ وهو ذلك الفقيه المتضلع الذي أجاب في دم الحيض المشتبه بدم الاستحاضة بثمانية عشر جوابا للعلماء، وقد جالس الفقهاء عشرين سنة (2) ؟ وهلا وقف وهو مدرس الحديث عشرين عاما على المأثورات النبوية الدالة على حرمة حلق اللحية المروية من عدة طرق ؟ منها :
1 - عن عائشة مرفوعا : عشر من الفطرة فذكر منها : إعفاء اللحية . وجاء من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أبو بكر دلف بن جحدر فقيه عالم محدث توفي 334 / 5 .
(2) راجع تهذيب التهذيب .

/ صفحة 150 /
طريق أبي هريرة أيضا .
صحيح مسلم 1 : 153، سنن البيهقي : 149، سنن أبي داود 1 : 9، 10، صحيح الترمذي 10 : 216، مشكل الآثار 1 : 297، المعتصر من المختصر 2 : 220، طرح التثريب 1 : 73، نيل الأوطار 1 : 135 عن أحمد ومسلم والنسائي والترمذي .
2 - عن ابن عمر مرفوعا : اعفوا اللحى، واحفوا الشوارب، خالفوا المشركين .
صحيح مسلم 1 : 153، سنن النسائي 1 : 16، جامع الترمذي 10 : 221 بلفظ : احفوا الشوارب واعفوا اللحى، سنن البيهقي 1 : 149 عن الصحيحين، المحلى لابن حزم 2 : 222، تاريخ الخطيب 4 : 345 .
3 - عن ابن عمر مرفوعا : خالفوا المشركين، وفروا اللحى، واحفوا الشوارب .
أخرجه البخاري في صحيحه، ومسلم في الصحيح 1 : 153 بلفظ : خالفوا المشركين، وحفوا الشوارب وأوقوا اللحى .
سنن البيهقي 1 : 150، نيل الأوطار 1 : 141 قال : متفق عليه .
4 - عن أبي هريرة مرفوعا : جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، وخالفوا المجوس صحيح مسلم 1 : 153، سنن البيهقي 1 : 150، تاريخ الخطيب 5 : 317 بلفظ : أحفوا الشوارب واعفوا اللحى، زاد المعاد لابن القيم 1 : 63 بلفظ : قصوا الشوارب . وفي ص 64 بلفظ : جزوا الشوارب . نيل الأوطار 1 : 141 عن أحمد ومسلم .
5 - عن ابن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى .
صحيح مسلم 1 : 153، صحيح الترمذي 10 : 221، سنن أبي داود 2 : 195، سنن البيهقي 1 : 151 .
6 - عن أبي أمامة قال : قلنا : يا رسول الله ! إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم (1) ويوفرون سبالهم فقال : قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب . أخرجه أحمد في المسند 5 : 264 .
7 - من حديث ابن عمر في المجوس : إنهم يوفرون سبالهم، ويحلقون لحاهم، فخالفوهم . أخرجه ابن حبان في صحيحه كما ذكره العراقي في تخريج الإحياء للغزالي المطبوع في ذيله ج 1 ص 146 .
8 - عن أنس : أحفوا الشوارب، واعفوا اللحى، ولا تشبهوا باليهود . أخرجه الطحاوي كما في شرح راموز الحديث : 1 : 141 .
9 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جمع العثنون : اللحية .

/ صفحة 151 /
من عرضها وطولها .
صحيح الترمذي 10 : 220 .
وكيف عزب عن الشبلي ما ذهب إليه القوم من أن حلق اللحية من تغيير خلق الله الوارد في قوله تعالى : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله (1) .
وقد أفرط جمع في الأخذ به فقال بحرمة حلق اللحية والشارب للمرأة أيضا .
قال الطبري : لا يجوز للمرأة تغيير شيئ من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن لا للزوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها، فكل ذلك داخل في النهي، وهو من تغيير خلق الله تعالى .
قال : ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل، أو إصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك، والرجل في هذا الأخير كالمرأة (2) .
وقال القرطبي في تفسيره 5 : 393 في تفسير الآية : لا يجوز لها [للمرأة] حلق لحية أو شارب أو عنفقة إن نبتت لها، لأن كل ذلك تغيير خلق الله .
وكيف خفي على الشبلي ما انتهى إلى ابن حزم الظاهري من الإجماع الذي نقله في كتابه [مراتب الإجماع] ص 157 على إن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز، ولا سيما للخليفة، والفاضل، والعالم، وعد في ص 52 ناتف اللحية ممن لا تقبل شهادته .
وهلم إلى كلمات أعلام الفقه :
1 - قال الحافظ العراقي في طرح التثريب 1 : 83 : من خصال الفطرة إعفاء اللحية، وهو توفير شعرها وتكثيره، وإنه لا يؤخذ منه كالشارب . من عفا الشيئ إذا كثر وزاد . وفي الصحيحين من حديث ابن عمر الأمر بذلك (اعفوا اللحى) وفي رواية : أوفوا . وفي رواية : وفروا . وفي رواية : ارخوا وهي بالخاء المعجمة على المشهور وقيل بالجيم . من الترك والتأخير، وأصله الهمزة فحذف تخفيفا كقوله : ترجي من تشاء منهن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النساء : 119 .
(2) فتح الباري 10 : 310 .

/ صفحة 152 /
واستدل به الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها، وأن لا يقطع منها شيئ وهو قول الشافعي وأصحابه، وقال القاضي عياض : يكره حلقها وقصها وتحريقها .
وقال القرطبي في المفهم : لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها قال القاضي عياض : وأما الأخذ من طولها فحسن .
قال : وتكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في قصها، وجزها قال : وقد اختلف السلف هل لذلك حد : فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدا، ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة .
2 - قال الغزالي في الإحياء 1 : 146 : قوله صلى الله عليه وسلم : اعفوا اللحى .
أي كثروها وفي الخبر : إن اليهود يعفون شواربهم، ويقصون لحاهم، فخالفوهم وكره بعض العلماء الحلق ورآه بدعة .
وقال في ص 148 : وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل : إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس، فقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين، واستحسنه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة وقالا : تركها عافية أحب لقوله صلى الله عليه وسلم : اعفوا اللحى .
والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب، فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبز إليه، فلا بأس بالاحتراز عنه على هذه النية .
3 - قال ابن حجر في فتح الباري 10 : 288 عند ذكر حديث نافع : كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه : الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالاعفاء على غير الحالة التي تشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال الطبري : ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيئ من اللحية من طولها ومن عرضها، وقال قوم : إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر إنه فعل ذلك، وإلى عمر إنه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة إنه فعله، وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال : كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة .
وقوله : نعفي .
بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافرا، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر
/ صفحة 153 /
إلى أنهم يقصرون منها في النسك ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية، هل له حد أم لا ؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري : إنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه قال : وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها، قال : وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة، وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء، وقال : إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به، واستدل بحدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، وهذا أخرجه الترمذي، ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون : لا أعلم له حديثا منكرا إلا هذا، وقد ضعف عمر بن هارون مطلقا جماعة .
وقال عياض : يكره حلق اللحية وقصها وتجذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال : وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها قال : والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره .
وكان مراده بذلك في غير النسك لأن الشافعي نقص على استحبابه فيه .
وقال في ص 289 : أنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال : ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته، قال أبو شامة : وقد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس إنهم كانوا يقصونها .
وقال النووي : يستثنى من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها، وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة .
4 - قال المناوي في [فيض القدير] 1 : 198 : اعفوا اللحى وفروها، فلا يجوز حلقها ولا نتفها، ولا قص الكثير منها، كذا في التنقيح، ثم زاد الأمر تأكيدا مشيرا إلى العلة بقوله : ولا تشبهوا باليهود في زيهم الذي هو عكس ذلك، وفي خبر ابن حبان بدل اليهود : المجوس . وفي آخر : المشركين . وفي آخر : آل كسرى . قال الحافظ العراقي :
/ صفحة 154 /
والمشهور أنه من فعل المجوس فيكره الأخذ من اللحية، واختلف السلف فيما طال منها فقيل : لا بأس أن يقبص عليها ويقص ما تحت القبضة كما فعله ابن عمر، ثم جمع من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة، والأصح كراهة أخذ ما لم يتشعث ويخرج عن السمت مطلقا .
5 - قال السيد علي القاري في شرح الشفا للقاضي (1) : حلق اللحية منهي عنه، وأما إذا طالت زيادة على القبضة فله أخذها .
6 - في شرح الخفاجي على الشفا 1 : 343 : وتقصير اللحية حسن كما مر، و هيئته تحصل بقص ما زاد على القبضة، ويؤخذ من طولها أيضا، وأما حلقها فمهني عنه لأنه عادة المشركين .
7 - قال الشوكاني في [نيل الأوطار] 1 : 136 : إعفاء اللحية توفيرها كما في القاموس، وفي رواية للبخاري : وفروا اللحى . وفي رواية أخرى لمسلم : أوفوا اللحى . وهو بمعناه، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشارع عن ذلك وأمر بإعفائها . قال القاضي عياض : يكره حلق اللحية وقصها وتحريقها، وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن . ثم نقل الأقوال في حد ما زاد .
وقال في ص 142 : قد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات : اعفوا . وأوقوا . وأرخوا . وارجوا . ووفروا . ومعناها كلها تركها على حالها . قوله : خالفوا المجوس . قد سبق إنه كان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك .
8 - في شرح راموز الحديث 1 : 141 : أشار إلى العلة في خبر ابن حبان : المجوس بدل اليهود، وفي آخر : المشركين . وفي أخرى : كسرى .
قال العراقي : المشهور : إنه فعل المجوس، فكره الأخذ من اللحية، واختلف السلف فيما طال .
ثم نقل الأقوال التي ذكرناها .
9 - أحسن كلمة تجمع شتات الفتاوى وآراء أئمة المذاهب في المسألة ما أفاده الأستاذ محفوظ في [الابداع في مضار الابتداع] (2) ص 405 قال : ومن أقبح العادات ما اعتاده
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هامش شرح الخفاجي 1 : 343 .
(2) تأليف الأستاذ الكبير الشيخ علي محفوظ أحد مدرسي الأزهر الشريف (الطبعة الرابعة )
/ صفحة 155 /
الناس اليوم من حلق اللحية وتوقير الشارب، وهذه البدعة كالتي قبلها سرت إلى المصريين من مخالطة الأجانب واستحسان عوائدهم حتى استقبحوا محاسن دينهم وهجروا سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وآله فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله قال : خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب .
وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه .
رواه البخاري وروى مسلم عن ابن عمر أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله قال : أحفوا الشوارب واعفوا اللحى [إلى أن قال بعد ذكر عدة من أحاديث الباب] : والأحاديث في ذلك كثيرة وكلها نص في وجوب توقير اللحية وحرمة حلقها والأخذ منها على ما سيأتي .
ولا يخفى أن قوله : خالفوا المشركين وقوله : خالفوا المجوس .
يؤيدان الحرمة فقد أخرج أبو داود وابن حبان وصححه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من تشبه بقوم فهو منهم .
وهو غاية في الزجر عن التشبه بالفساق أو بالكفار في أي شئ مما يختصون به من ملبوس أو هيأة، وفي ذلك خلاف العلماء منهم من قال بكفره وهو ظاهر الحديث .
ومنهم من قال : لا يكفر ولكن يؤدب .
فهذان الحديثان بعد كونهما أمرين دالان على أن هذا الصنع من هيآت الكفار الخاصة بهم إذ النهي إنما يكون عما يختصون به .
فقد نهانا صلى الله عليه وآله عن التشبه بهم عاما في قوله : من تشبه .
ومن افراد هذا العام حلق اللحية .
وخاصا في قوله : وفروا اللحى خالفوا المجوس، خالفوا المشركين .
ثم ما تقدم من الأحاديث ليس على إطلاقه فقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأخذ من لحيته من عرضها وطولها .
وروى أبو داود والنسائي : إن ابن عمر كان يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف .
وفي لفظ : ثم يقص ما تحت القبضة .
وذكره البخاري تعليقا .
فهذه الأحاديث تقيد ما رويناه آنفا .
فيحمل الاعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها .
وقد اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها والأخذ القريب منه .
الأول : مذهب الحنفية قال في [الدر المختار] : ويحرم على الرجل قطع لحيته
/ صفحة 156 /
وصرح في النهاية بوجوب قطع ما زاد على القبضة (بالضم) وأما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد .
وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم ا ه‍ وقوله : وما وراء ذلك يجب قطعه .
هكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يأخذ من اللحية من طولها وعرضها، كما رواه الإمام الترمذي في جامعه، ومثل ذلك في أكثر كتب الحنفية .
الثاني : مذهب السادة المالكية حرمة حلق اللحية وكذا قصها إذا كان يحصل به مثلة .
وأما إذا طالت قليلا وكان القص لا يحصل به مثلة فهو خلاف الأولى أو مكروه كما يؤخذ من شرح الرسالة لأبي الحسن وحاشيته للعلامة العدوي رحمهم الله .
الثالث : مذهب السادة الشافعية، قال في شرح العباب : فائدة قال الشيخان : يكره حلق اللحية .
واعترضه ابن الرفعة بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم .
وقال الأذرعي : الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها . ا ه‍ .
ومثله في حاشية ابن قاسم العبادي على الكتاب المذكور .
الرابع : مذهب السادة الحنابلة نص في تحريم حلق اللحية .
فمنهم من صرح بأن المعتمد حرمة حلقها .
ومنهم من صرح بالحرمة ولم يحك خلافا كصاحب الانصاف، كما يعلم ذلك بالوقوف على شرح المنتهى وشرح منظومة الآداب وغيرهما .
ومما تقدم تعلم أن حرمة حلق اللحية هي دين الله وشرعه الذي لم يشرع لخلقه سواه، وأن العمل على غير ذلك سفه وضلالة، أو فسق وجهالة، أو غفلة عن هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ا ه‍ نعم : لم يكن الشبلي ولا الحافظ الذي يثني عليه بحلق لحيته في حب الله، ولا الحفاظ الآخرون الذين أطنبوا القول حول لحية أبي بكر الصديق محتاجين إلى اللحية، بل كانوا يفتقرون إلى عقل تام كما جاء فيما ذكره السمعاني في الأنساب في [الرستمي] عن مطين بن أحمد قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له : يا نبي الله ! أشتهي لحية كبيرة .
فقال : لحيتك جيدة وأنت محتاج إلى عقل تام .

/ صفحة 157 /

- 57 -
عمود نور من السماء إلى قبر الحنبلي
ذكر ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 3 : 46 في ترجمة أبي بكر عبد العزيز بن جعفر الحنبلي المعروف بغلام الخلال المتوفى سنة 363 قال : حكى أبو العباس ابن أبي عمرو الشرابي قال : كان لنا ذات ليلة خدمة أمسيت لأجلها، ثم إني خرجت منها نوبة الناس وتوجهت إلى داري بباب الأزج، فرأيت عمود نور من جوف السماء إلى جوف المقبرة فجعلت أنظر إليه ولا ألتفت خوفا أن يغيب عني إلى أن وصلت إلى قبر أبي بكر عبد العزيز فإذا أنا بالعمود من جوف السماء إلى القبر : فبقيت متحيرا ومضيت وهو على حاله .
قال الأميني : أبو بكر الحنبلي هذا هو شيخ الحنابلة وعالمهم في عصره صاحب التصانيف وهو الراوي عن الخلال عن الحمصي عن إمام الحنابلة أحمد : إنه سئل عن التفضيل فقال : من قدم عليا على أبي بكر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن قدمه على عمر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أبي بكر، ومن قدمه على عثمان فقد طعن على أبي بكر وعمر وعثمان وعلى أهل الشورى والمهاجرين والأنصار .
وليت مثقال ذرة من ذلك النور الخيالي الممتد من قبر الرجل سطع على مكمن بصيرته أبان حياته، فلا يخضع لكلمة شيخه التافهة هذه التي تخالف الكتاب والسنة وإن مقدار الرجل ينبو عن التدخل في هذا الشأن العظيم الذي ليس هو من رجاله لكن (حن قدح ليس منها) أنى يقع قوله في التفضيل مع آيتي المباهلة والتطهير ؟ ومقتضى الأولى اتحاد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مع صنوه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله فيما يمكن اتحاد شخصين فيه، وليست هي إلا الفضائل والفواضل والمكارم والمآثر ما خلا النبوة فما ظنك برجل يوازنه صلى الله عليه وآله فيما ذكرناه من الفضل ؟ أليس من السخف أن يقال : من قدم عليا .
إلخ ؟ ومقتضى الثانية عصمته صلوات الله عليه عن جميع الذنوب والمعاصي، وهل يوازي المعصوم من يجترح السيئات ويقترف الآثام ؟ لكن صاحب النور يروي : من قدم عليا .. إلخ . ولا يبالي بما يروي .
فمقتضى المقام أن يقال : من قدم أحدا على مولانا أمير المؤمنين فقد طعن على
/ صفحة 158 /
الكتاب الكريم ومن صدع به صلى الله عليه وآله ومن أنزله جلت عظمته .
وأنى يقع قول صاحب النور المروي عن إمامه أحمد أمام السنة المتواترة الواردة من شتى النواحي في فضل الإمام صلوات الله عليه المتقدمة في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب (1) ؟ فمن قدمه سلام الله عليه على أبي بكر وصاحبيه فقد جاء بالحجة البالغة، والنور الساطع، وأخذ بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها .

- 58 -
تمر ينقلب رطبا لابن سمعون
أخرج الخطيب في تاريخه 1 : 275 قال : حدثنا أبو بكر محمد بن محمد الطاهري قال : سمعت أبا الحسين ابن سمعون (2) يذكر أنه خرج من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قاصدا بيت المقدس، وحمل في صحبته تمرا صيحانيا، فلما وصل إلى بيت المقدس ترك التمر مع غيره من الطعام في الموضع الذي كان يأوي إليه، ثم طالبته نفسه بأكل الرطب فأقبل عليها باللائمة وقال : من أين لنا في هذا الموضع رطب ؟ فلما كان وقت الإفطار عمد إلى التمر ليأكل منه فوجده رطبا صيحانيا ! فلم يأكل منه شيئا، ثم عاد إليه من الغد عشية فوجده تمرا على حالته الأولى فأكل منه . وذكره ابن العماد في الشذرات 3 : 126 .

- 59 -
ابن سمعون يخبر عما يراه النائم
أخرج ابن الجوزي في المنتظم 7 : 199 من طريق أبي بكر الخطيب البغدادي عن أبي طاهر محمد بن علي بن العلاف قال : حضرت أبا الحسين ابن سمعون يوما في مجلس الوعظ وهو جالس على كرسيه يتكلم، وكان أبو الفتح القواس جالسا إلى جنب الكرسي فغشيه النعاس ونام، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وسيوافيك قول أحمد وجمع آخرين من أئمة الحديث : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في حق علي بن أبي طالب . وقول حبر الأمة ابن عباس : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي .
(2) الواعظ الشهير الإمام القدوة الناطق بالحكمة كما في المنتظم والشذرات توفي 387 .

/ صفحة 159 /
أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسين : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومك ؟ قال : نعم، فقال أبو الحسين : لذلك أمسكت عن الكلام خوفا أن تنزعج وتنقطع عما كنت فيه .

- 60 -
ابن سمعون وصبية الرصاص
قال ابن الجوزي في المنتظم 7 : 198 : حكي أن الرصاص الزاهد كان يقبل رجل ابن سمعون دائما فلا يمنعه فقيل له في ذلك فقال : كان في داري صبية خرج في رجلها الشوكة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي : قل لابن سمعون : يضع رجله عليها فإنها تبرأ، فلما كان من الغد بكرت إليه فرأيته قد لبس ثيابه فسلمت عليه فقال : بسم الله فقلت : لعل له حاجة أمضي معه وأعرض عليه في الطريق حديث الصبية فجاء إلى داري فقال : بسم الله .
فدخلت وأخرجت الصبية إليه وقد طرحت عليها شيئا فترك رجله عليها، وانصرف وقامت الجارية معافاة فأنا أقبل رجله أبدا .
- 61 -
ملك ينزل لأبي المعالي
كان أبو المعالي البغدادي المتوفى 496 من الصلحاء الزهاد، ذكر إنه أصابته فاقة شديدة في شهر رمضان فعزم على الذهاب إلى بعض الأصحاب ليستقرض منه شيئا قال : فبينما أنا أريده إذا بطائر قد سقط على كتفي وقال : يا أبا المعالي ! أنا الملك الفلاني لا تمض إليه نحن نأتيك به .
قال : فبكر إلي الرجل .
رواه ابن الجوزي في المنتظم 9 : 136، وابن كثير في تاريخه 12 : 163 .
ألا تعجب من ابن الجوزي لا يمر على منقبة من مناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله إلا وحكم عليها بالوضع أو الضعف أو الوهن، لكنه يرسل هذه الخزعبلات إرسال المسلم، ولا ينبس في إسنادها ببنت شفة، ولا في متونها بما يقتضيه المقام من التنفيذ والاحالة ؟ كل ذلك لأنه غال فيمن يحبهم، وقال لمن يشنأهم .
- 62 -
الله يكلم أبا حامد الغزالي
قال صاحب مفتاح السعادة 2 : 194 : قال - أبو حامد الغزالي (1) - في بعض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الشافعي حجة الاسلام الغزالي صاحب كتاب (إحياء العلوم) ولد بطوس 450 وتوفي 505 .

/ صفحة 160 /
مؤلفاته : كنت في بدايتي منكرا لأحوال الصالحين ومقامات العارفين حتى حظيت بالواردات، فرأيت الله تعالى في المنام فقال لي يا أبا حامد ! قلت : أو الشيطان يكلمني ؟ قال : لا .
بل أنا الله المحيط بجهاتك الست ثم قال : يا أبا حامد ! ذر أساطيرك وعليك بصحبة أقوام جعلتهم في أرضي محل نظري، وهم أقوام باعوا الدارين بحبي .
فقلت : بعزتك إلا أذقتني برد حسن الظن بهم .
فقال : قد فعلت ذلك والقاطع بينك وبينهم تشاغلك بحب الدنيا، فاخرج منها مختارا قبل أن تخرج منها صاغرا، فقد أمضيت عليك نورا من أنوار قدسي، فقم وقل .
قال : فاستيقظت فرحا مسرورا وجئت إلى شيخي يوسف النساج فقصصت عليه المنام فتبسم وقال : يا أبا حامد ! هذا ألواحنا في البداية فمحوناها، بلى إن صحبتني سأكحل بصر بصيرتك بأثمد التأييد حتى ترى العرش ومن حوله، ثم لا ترضى بذلك حتى تشاهد ما لا تدركه الأبصار، فتصفو من كدر طبيعتك، وترتقى على طور عقلك، وتسمع الخطاب من الله تعالى - كما كان لموسى عليه السلام - : أنا الله رب العالمين .
قال الأميني : مادح نفسه يقرءك السلام .
ليت شعري هل كان يضيق فم الشيطان عن أن يقول : أنا الله المحيط بجهاتك الست، كما لم تضق أفواه المدعين للربوبية في سالف الدهر ؟ فمن أين عرف الغزالي بصرف الدعوى إنه هو الله ؟ ولماذا لم يحتمل بعد إنه هو الشيطان ؟ وإن كان قد صدق الرؤيا وأذعن بأن الله هو الذي خاطبه فلماذا لم يدع الأساطير وقد خوطب ب‍ : ذر الأساطير .
ولم ينسج على نول النساج شيخه إلا التافهات ؟ وليته كان يوجد في صيدلية النساج كحل آخر تحد بصر الغزالي وبصيرته حتى لا يبوء بإثم كبير مما في إحيائه من رياضيات غير مشروعة محبذة من قبله كقصة لص الحمام وغيرها، وحديث منعه عن لعن يزيد اللعين في باب آفات اللسان إلى أمثاله الكثير الباطل .
وما أحد أثمد النساج الذي يترك من اكتحل به لا يرضى بعد رؤيته العرش ومن حوله، حتى يشاهد ما لا تدركه الأبصار، ويسمع الخطاب - كما سمعه موسى - : أنا الله رب العالمين ؟ وأنا إلى الغاية لا أدري إن موسى عليه السلام المشارك له في السماع هل
/ صفحة 161 /
شاركه في الرؤية ؟ ولعل صاحب الهذيان يجد نفسه مربية على نبي الله موسى الذي هو من أولي العزم من الرسل، وخوطب بقول الله العزيز : لن تراني يا موسى ! هكذا فليكن السالك المجاهد الغزال .

- 63 -
يد الغزالي في يد سيد المرسلين
قال الشيخ الإمام الزاهد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد الجلالي النسائي الشافعي : رأيت في بعض تصانيف الشيخ الإمام مسعود الطرازي : إن الإمام أبا حامد الغزالي رحمه الله كان قد أوصى أن يلحده الشيخ أبو بكر النساج الطوسي تلميذ الشيخ الإمام أبي القاسم الكرساني قال : فلما ألحده وخرج من اللحد خرج متغيرا منتقع اللون فقيل له في ذلك فلم يخبر بشئ، فأقسموا عليه بالله إلا ما أخبرتهم فقال : إني لما وضعته في اللحد شاهدت يدا يمنى قد خرجت من تجاه القبلة وسمعت هاتفا يقول : ضع يد محمد الغزالي في يد سيد المرسلين محمد المصطفى العربي صلى الله عليه وآله فوضعتها فيها ثم خرجت كما ترون أو كما قال قدس الله روحه العزيز (1) .
لقد علم الغزالي أن للنساج عليه يدا واجبة بتكحيله بأثمده المتقدم ذكره، فكان منه بدء هدايته، فأحب أن يكون هو المجهز له في الغاية، وعرف إن الرجل نسيج وحده في وشي الخرافات، فأوصى إليه ما أوصى، وأحسب إن يد الغزالي التي وضعها في يد النبي محمد صلى الله عليه وآله غير التي حمل القلم الذي خط به كتاب (الإحياء) المشحون بالأباطيل والأضاليل أو غيره من كتبه التي تحوي أمثال قصة الرؤية والاثمد .

- 64 -
إحياء العلوم للغزالي
عن الإمام أبي الحسن المعروف بابن حرازم - ويقال : ابن حرزم - وكان مطاعا في بلاد المغرب إنه لما وقف على [إحياء العلوم] للغزالي أمر بإحراقه .
وقال : هذا بدعة مخالف للسنة، فأمر بإحضار ما في تلك البلاد من نسخ الإحياء، فجمعوا وأجمعوا على إحراقها يوم الجمعة، وكان إجماعهم يوم الخميس، فلما كان ليلة الجمعة رأى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مفتاح السعادة 2 : 207 .

/ صفحة 162 /
أبو الحسن في المنام كأنه دخل من باب الجامع، ورأى في ركن المسجد نورا وإذا بالنبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر جلوس والإمام الغزالي قائم وبيده (الإحياء) وقال : يا رسول الله ! هذا خصمي ثم جثا على ركبتيه وزحف عليهما إلى أن وصل إلى النبي صلى الله عليه وآله فناوله (كتاب الإحياء) وقال : يا رسول الله ! انظر فيه فإن كان فيه بدعة مخالفة لسنتك كما زعم تبت إلى الله، وإن كان شيئا تستحسنه حصل لي من بركتك فأنصفني من خصمي، فنظر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ورقة ورقة إلى آخره ثم قال : والله إن هذا شيئ حسن، ثم ناوله أبا بكر رضي الله عنه فنظر فيه كذلك، ثم قال : نعم، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ! إنه لحسن .
ثم ناوله عمر رضي الله عنه فنظر فيه كذلك ثم قال كما قال أبو بكر رضي الله عنه .
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بتجريد أبي الحسن وضربه حد المفتري فجرد وضرب ثم شفع فيه أبو بكر بعد خمسة أسواط وقال : يا رسول الله ! إنما فعل ذلك اجتهادا في سنتك وتعظيما .
فعفا عنه أبو حامد عند ذلك، فلما استيقظ (أبو الحسن) من منامه وأصبح أعلم أصحابه بما جرى ومكث قريبا من الشهر متألما من الضرب ثم سكن عنه الألم ومكث إلى أن مات وأثر السياط على ظهره وصار ينظر كتاب (الإحياء) ويعظمه وينتحله أصلا أصيلا .
وفي لفظ اليافعي : وبقيت متوجعا لذلك خمسا وعشرين ليلة، ثم رأيت النبي صلى الله عليه وآله جاء ومسح علي وتوبني فشفيت ونظرت في (الإحياء) ففهمته غير الفهم الأول .
و ذكره السبكي في طبقاته 4 : 132 وقال : هذه حكاية صحيحة حكاها لنا جماعة من ثقات مشيختنا عن الشيخ العارف ولي الله سيدي ياقوت الشاذلي، عن شيخنا السيد الكبير ولي الله أبي العباس المرسي، عن شيخه الشيخ الكبير ولي الله أبي الحسن الشاذلي قدس الله تعالى أسرارهم (1) وذكره المولى أحمد طاش كبرى زاده في مفتاح السعادة 2 : 209، واليافعي في مرآت الجنان 3 : 322 : وقال السبكي في طبقاته : 4 : 113 : كان في زماننا شخص يكره الغزالي ويذمه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كذا حكى عن السبكي والمطبوع من طبقاته يخالفه في بعض الألفاظ .

/ صفحة 163 /
ويستعيبه في الديار المصرية فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما بجانبه والغزالي جالس بين يديه وهو يقول : يا رسول الله ! هذا يتكلم في، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هاتوا السياط، وأمر به فضرب لأجل الغزالي، وقام هذا الرجل من النوم وأثر السياط على ظهره، ولم يزل كان يبكي ويحكيه للناس .
وسنحكي منام أبي الحسن ابن حرزم المغربي المتعلق بكتاب (الإحياء) وهو نظير هذا .
قال الأميني : نعما هي لو صدقت الأحلام ؟ إنا نحن نربأ صاحب الرسالة عن الاصفاق على تصديق مثل هذا الكتاب الذي هو في كثير من مواضيعه على الطرف النقيض لما صدع به من شريعته المقدسة، وليست أباطيل الغزالي بألغاز لا يحلها إلا الفني فيها، وإنما هي سرد متعارف يعرفها كل من وقف عليها من أهل العلم، وليس فهمها قصرا على قوم دون آخرين، فهي فتق لا يرتق، وصدع لا يرأب .
قال ابن الجوزي في المنتظم 9 : 169 : أخذ في تصنيف كتاب (الإحياء) في القدس ثم أتمه بدمشق إلا أنه وضعه على مذهب الصوفية وترك فيه قانون الفقه مثل إنه ذكر في محو الجاه ومجاهدة النفس : إن رجلا أراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب غيره، ثم لبس ثيابه فوقها، ثم خرج يمشي على محل حتى لحقوه فأخذوها منه وسمي سارق الحمام، وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيح، لأن الفقه يحكم بقبح هذا فإنه متى كان للحمام حافظ وسرق سارق قطع، ثم لا يحل لمسلم أن يتعرض بأمر يأثم الناس به في حقه .
وذكر أن رجلا اشترى لحما فرأى نفسه تستحيي من حمله إلى بيته فعلقه في عنقه ومشى، وهذا في غاية القبح، ومثله كثير ليس هذا موضعه، وقد جمعت أغلاط الكتاب وسميته [إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء] وأشرت إلى بعض ذلك في كتابي المسمى [بتلبيس إبليس] مثل ما ذكر في كتاب النكاح : إن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت الذي تزعم إنك رسول الله .
وهذا محال .
إلى أن قال : وذكر في كتاب (الإحياء) من الأحاديث الموضوعة وما لا يصح غير قليل، وسبب ذلك قلة معرفته بالنقل، فليته عرض تلك الأحاديث على من يعرف، وإنما نقل نقل حاطب ليل .
وكان قد صنف للمستظهر كتابا في الرد على الباطنية، وذكر في آخر
/ صفحة 164 /
مواعظ الخلفاء فقال : روي أن سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم : ابعث إلي من إفطارك .
فبعث إليه نخالة مقلوة فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأكل، ثم أفطر عليها وجامع زوجته، فجاءت بعبد العزيز، فلما بلغ ولد له عمر بن عبد العزيز .
وهذا من أقبح الأشياء لأن عمر ابن عم سليمان وهو الذي ولاه، فقد جعله ابن ابنه، فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئا أصلا .. الخ .
وقال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) ص 352 : قد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب (الإحياء) قال : كان بعض الشيوخ في بداية إرادته يكسل عن القيام فألزم نفسه القيام على رأسه طول الليل لتسمح نفسه بالقيام عن طوع .
قال : وعالج بعضهم حب المال بأن باع جميع ماله ورماه في البحر إذا خاف من تفرقته على الناس رعونة الجود ورياء البذل .
قال : وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس ليعود نفسه الحلم .
قال : وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعا .
ثم قال : قال المصنف رحمه الله : أعجب من جميع هؤلاء عندي أبو حامد كيف حكى هذه الأشياء ولم ينكرها ؟ وكيف ينكرها وقد أتى بها في معرض التعليم ؟ وقال قبل أن يورد هذه الحكايات : ينبغي للشيخ أن ينظر إلى حالة المبتدئ فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر حاجته أخذه وصرفه في الخير، وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه .
وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إلى السوق للكد ويكلفه السؤال والمواظبة على ذلك .
وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان .
وإن رأى شره الطعام غالبا عليه ألزم الصوم، وإن رآه عزبا ولم تنكسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز وليلة على الخبز دون الماء ويمنعه اللحم رأسا .
فقال : قلت : وإني لا تعجب من (أبي حامد) كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة ؟ وكيف يحل القيام على الرأس طول الليل فينعكس الدم إلى وجهه ويورثه ذلك مرضا شديدا ؟ وكيف يحل رمي المال في البحر ؟ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال .
وهل يحل سب مسلم بلا سبب ؟ وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك
/ صفحة 165 /
وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه ؟ وذاك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحج، وكيف يحل السؤال لمن يقدر أن يكتسب ؟ فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوف ؟ .
وقال : وحكى أبو حامد : إن أبا تراب النخشبي قال لمريد له : لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من رؤية الله سبعين مرة .
فقال : قلت : وهذا فوق الجنون بدرجات .
هذه جملة من كلمات ابن الجوزي حول [إحياء العلوم] ومن أمعن النظر في أبحاث هذا الكتاب يجده أشنع مما قاله ابن الجوزي، وحسبك ما جاء به من حلية الغناء والملاهي وسماع صوت المغنية الأجنبية والرقص واللعب بالدرق والحراب، ونسبة كل ذلك إلى نبي القداسة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (1) بعد سرد جملة من الموضوعات تدعيما لرأيه السخيف : فيدل هذا على إن صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير، بل إنما يحرم عند خوف الفتنة، فهذه المقاييس والنصوص تدل على إباحة الغناء، والرقص، والضرب بالدف، واللعب بالدرق والحراب، والنظر إلى رقص الحبشية والزنوج في أوقات السرور كلها قياسا على يوم العيد فإنه وقت سرور، وفي معناه يوم العرس، والوليمة، والعقيقة، والختان، ويوم القدوم من السفر، وسائر أسباب الفرح وهو كل ما يجوز به الفرح شرعا، ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهو أيضا مظنة السماع .
ثم ذكر سماع العشاق تحريكا للشوق وتهييجا للعشق وتسلية للنفس .
وفصل القول في ذلك بما لا طائل تحته، وخلط الحابل بالنابل، وجمع فيه بين الفقه المزيف وبين السلوك بلا فقاهة .
ومن طامات كتاب (الإحياء) أو من شواهد جهل مؤلفه المبير ومبلغه من الدين والورع رأيه الساقط في اللعن قال في ج 3 : 121 : وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطر فليجتنب، ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس مثلا فضلا عن غيره، فإن قيل : هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو أمره به ؟ قلنا : هذا لم يثبت أصلا، فلا يجوز
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع إحياء العلوم 2 : 276 .

/ صفحة 166 /
أن يقال : إنه قتله، أو أمر به ما لم يثبت فضلا عن اللعنة، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ثم ذكر أحاديث في النهي عن لعن الأموات فقال : فإن قيل : فهل يجوز أن يقال : قاتل الحسين لعنه الله، أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا : الصواب أن يقال : قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة، فإن وحشيا قاتل حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله وهو كافر، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعا، ولا يجوز أن يلعن والقتل كبيرة، ولا تنتهي إلى رتبة الكفر، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر، وليس في السكوت خطر فهو أولى . ا ه‍ .
فهلم معي أيها القارئ الكريم إلى هذه التافهات المودوعة في غضون [إحياء العلوم] هل يراها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله شيئا حسنا، وحلف بذلك ؟ وهل سره دفاع الرجل عن إبليس اللعين أو عن جروه يزيد الطاغية الذي أبكى عيون آل الله وعيون صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وآله في ريحانته إلى الأبد ؟ ! وهل يحق لمسلم صحيح ينزه عن النزعة الأموية الممقوتة، ويطلع على فقه الاسلام وطقوسه، ويعلم تاريخ الأمة، ويعرف نفسيات أبناء بيت أمية الساقط، ولا يجهل أو لا يتجاهل بما أتت به يد يزيد الطاغية الأثيمة، وما نطق به ذلك الفاحش المتفحش وما أحدثه في الاسلام من الفحشاء والمنكر، وما ثبت عنه من أفعاله وتروكه، وما صدر عنه من بوائق وجرائم وجرائر، أن يدافع عنه بمثل ما أتى به هذا المتصوف الثرثار البعيد عن العلوم الدينية وحياتها ؟ وهو لا يبالي بما يقول، ولا يكترث لمغبة ما خطته يمناه الخاطئة، والله من وراءه حسيب، وهو نعم الحكم العدل، والنبي الأعظم، ووصيه الصديق، والشهيد السبط المفدى هم خصماء الرجل يوم يحشر للحساب مع يزيد الخمور والفجور - ومن أحب حجرا حشره الله معه - وسيذوق وبال مقاله ويرى جزاء محاماته .
ولست أدري إلى الغاية إن حد المفتري الذي أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله على أبي الحسن ابن حرازم إن كان بحق - ولا بد أن يكون ما يفعله النبي حقا - فلماذا درأته عنه شفاعة الشيخ أبي بكر ؟ ولا شفاعة في الحدود . وإن لم يكن أبو الحسن مستحقا
/ صفحة 167 /
له فبماذا أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ولماذا أرجأ الشيخ رأيه في اجتهاد ابن حرازم إلى أن جرد وضرب خمسة أسواط ؟ وكيف خفي على رسول الله صلى الله عليه وآله ما يدرأ به الحد من شبهة الاجتهاد ؟ ومن سنته الثابتة درأ الحدود بالشبهات . وهل تقام الحدود في عالم الطيف ؟

- 65 -
اللامشي يسجد على أرض النهر
قال السمعاني : سمعت أبا بكر الزاهد السمرقندي يقول : بت ليلة مع الإمام اللامشي - الحسين بن علي أبي علي الحنفي المتوفى 522 - في بعض بساتينه فخرج من باب البستان نصف الليل ومر على وجهه فقمت أنا وتبعته من حيث لا يعلم، فوصل إلى نهر كبير عميق، وخلع ثيابه، واتزر بميرز وغاض في الماء، وبقي زمانا لا يرفع رأسه فظننت أنه غرق فصحت وقلت : يا مسلمون ! غرق الشيخ فإذا بعد ساعة قد ظهر وقال : يا بني لا نغرق .
فقلت : يا سيدي ! ظننت أنك غرقت، فقال : ما غرقت ولكن أردت أن أسجد لله سجدة على أرض النهر فإن هذه أرض أظن أن أحدا ما سجد لله عليها سجدة [الجواهر المضية في طبقات الحنفية] 1 : 215 .
مرحى بالسخافة وزه بمستسخف الناس الذين يخضعون لأمثال هذه السفاسف، وحيا الله هذه النفس التي لم يأخذ بخناقها انقطاع النفس طيلة تلك المدة تحت الماء، وليس ذلك من خرافة القصاصين بعجيب، ولا عجب فإن المغالاة في الحب يستسهل وقوع ما يحيله العقل .

- 66 -
الطلحي يستر سوأته بعد موته
أخرج ابن الجوزي وابن كثير بالإسناد عن أحمد الاسواري وكان ثقة وهو تولى غسل إسماعيل بن محمد الحافظ (1) أنه قال : أراد أن ينحي الخرقة عن سوأته وقت الغسل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أبو القاسم الطلحي الشافعي من أهل أصبهان قال ابن الجوزي : إمام في الحديث والتفسير و اللغة حافظ متقن دين ولد 459 وتوفي باصبهان سنة 535 .

/ صفحة 168 /
فجذبها الشيخ إسماعيل من يده وغطى فرجه، فقال الغاسل : أحياة بعد الموت ؟ المنتظم 10 : 90، تاريخ ابن كثير 12 : 217 .
قال الأميني : لا حياة بعد الموت لأمثال الطلحي، إلى يوم الوقت المعلوم، لكن الغلو في الحب يحيي ويميت ويميت ويحيي .

- 67 -
طاعة الحيوانات والجمادات للمنبجي
قال الإمام أبو محمد ضياء الدين الوتري في (روضة الناظرين) ص 36 : قال الشيخ عقيل بن شهاب الدين أحمد المنبجي العمري أحد أحفاد عمر بن الخطاب، وكان يلقب بالغواص : أعطاني الله الكلمة النافذة في كل شئ، ثم داخله وجد فقام : وقال : يا هوام ! يا حجارة ! يا شجر ! صدقوني، فإني ما ادعيت باطلا، فوفدت الوحوش من الجبل وقد ملأ زئيرها وصراخها البقاع ودارت به، ورقصت الحجارة، فهذه صاعدة وهذه نازلة، واشتبكت الأغصان بعضها ببعضها، ثم حضر فسكت وعاد كل لما كان عليه .
وقال الوتري : كان يلقب بالغواص، وذلك لأنه مر بجماعة من تلامذة شيخه السروجي بالفرات، ففرش سجادته على الماء وجلس عليها وغاص بالماء إلى الجانب الآخر، ثم ظهر من الماء، ولا بلل بثيابه، فذكر ذلك إخوانه لشيخه مسلمة السروجي فقال : عقيل غواص .
فاشتهر بذلك (1) قال الأميني : حقا إن تأثير هذا الرجل في المواليد الثلاث أقوى من تأثير الله سبحانه في تصديقها إياه إن حققت المزاعم والتافهات، فقد جاء في الذكر الحكيم : و إن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم(2). وسبح لله ما في السموات والأرض (5) ولله يسجد ما في السموات والأرض (4) والنجم والشجر يسجدان (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روضة الناظرين ص 35 .
(2) سورة الاسراء : 47 .
(3) سورة الصف : 2 .
(4) سورة النحل : 52 .
(5) سورة الرحمن : 7 .

/ صفحة 169 /
ألم تر إن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس (1) ومع ذلك لم يسمع أحد للوحوش والدواب نعيقا، وللشجر هفيفا، وللأحجار صعودا وهبوطا، بعنوان السجدة و التسبيح، فهو لا محالة إما بلسان ملكوتي، أو بعنوان جعل الاستعداد، أو الشهادة التكوينية التي لا تفارق كل موجود على حد قول القائل :
وفي كل شيء له آية * تـــــدل على إنه واحد
وعليه ينزل قوله تعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو .
أي خلق ما يشهد له بأحد الوجوه المذكورة، وإلا فهي دعوى لا شهادة لها إن أريد بها ظاهرها .
أو إن للموجودات في تسبيحها وسجودها لغة وأطوارا لا يحسها البشر، إلا من اصطفاه الله من عباده المنتجبين، وعلمه منطق الطير، وعرفه لغة الحجر والشجر والهوام، لكن الشيخ الغواص أعطاء الله الكلمة النافذة في كل شئ حتى زارت وصرخت له الوحوش، ورقصت الحجارة، واشتبكت أغصان الأشجار، فحظيت بسماعها ورؤيتها آذان أولئك الغالين في فضائله ومقلهم، فحيى الله منحة المولى سبحانه لعبده أكثر مما عنده، ولك إمعان النظر وتدقيق البحث حول السجادة والغوص، وهذه كلها سهلة غير مستصعب على الشيخ مهما كان حفيد عمر الخلفية، وقد سمعت كراماته الظاهرة في العناصر الأربعة في الجزء الثامن ص 83 - 87 ط 1، هكذا يخلق أو يختلق الغلو الفضائل، وافقت العقل أم لم توافق .

- 68 -
كرامة لابن مسافر الأموي
قال عمر بن محمد : خدمت الشيخ عدي - ابن مسافر الشامي الأموي المتوفى 557 / 8 - سبع سنين شهدت له فيها خارقات أحدها : أني صببت على يديه ماء فقال لي : ما تريد ؟ قلت أريد تلاوة القرآن ولا أحفظ منه غير الفاتحة وسورة الاخلاص، فضرب بيده في صدري فحفظت القرآن كله في وقتي، وخرجت من عنده وأنا أتلوه بكماله . [شذرات الذهب] لابن العماد الحنبلي 4 : 180 ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الحج : 19 .

/ صفحة 170 /
قال الأميني : ليت هذا الأموي أدرك عهد الخليفة الثاني فيضرب بيده في صدره فلا يتجشم بمقاساة الشدة لحفظ سورة البقرة في أثني عشر عاما .
لكنه لم يدرك .
وليت شعري هل كان يرضخ راوي هذه الأسطورة لها لو كان صاحبها علويا ؟ أو إن رضوخه قصر على الأموي فحسب ؟ وذكر ابن العماد أيضا في شذرات ذهبه نقلا عن اليونيني - الآتي ذكره .
قال قال لي عدي بن مسافر يوما : إذهب إلى الجزيرة السادسة بالبحر المحيط تجد بها مسجدا فادخله ترى فيه شيخا فقل له : يقول لك الشيخ عدي بن مسافر : إحذر الاعتراض و لا تختر لنفسك أمرا ليست لك فيه إرادة .
فقلت : يا سيدي ! وأنى لي بالبحر المحيط ؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بجزيرة والبحر محيط بها وثم مسجد فدخلته فرأيت شيخا مهيبا يفكر فسلمت عليه وبلغته الرسالة فبكى وقال : جزاه الله خيرا، فقلت : يا سيدي ! ما الخبر ؟ فقال : إعلم أن أحد السبعة الخواص في النزع وطمحت نفسي و إرادتي أن أكون مكانه، ولم تكمل خطرتي حتى أتيتني فقلت : يا سيدى ! وأنى لي بالوصول إلى جبل هكار ؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بزاوية الشيخ عدي فقال لي : هو من العشرة الخواص .
قال الأميني : الجنون فنون، وأرقها جنون الحب والمغالاة في الفضائل .

- 69 -
عبد القادر يحيي دجاجة
قال اليافعي في مرآة الجنان 3 : 356 : روى الشيخ الإمام الفقيه العالم المقري أبو الحسن علي بن يوسف بن جرير بن معضاد الشافعي اللخمي في مناقب الشيخ عبد القادر (1) بسنده من خمس طرق، وعن جماعة من الشيوخ الجلة أعلام الهدى العارفين المقتنين للاقتداء، قالوا : جاءت امرأة بولدها إلى الشيخ عبد القادر فقالت له : يا سيدي ! إني رأيت قلب ابني هذا شديد التعلق بك، وقد خرجت عن حقي فيه لله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشيخ السيد عبد القادر بن أبي صالح موسى الحسني الجيلاني، مؤسس الطريقة القادرية . من كبار المتصوفين، ولد في 491 بجيلان [وراء طبرستان] وانتقل إلى بغداد شابا، وتوفي سنة 561 ودفن ببغداد وقبره مشهور يزار .

/ صفحة 171 /
عز وجل ولك، فقبله الشيخ وأمره بالمجاهدة وسلوك الطريق، فدخلت أمه عليه يوما فوجدته نحيلا مصفرا من آثار الجوع والسهر، ووجدته يأكل قرصا من الشعير فدخلت إلى الشيخ فوجدت بين يديه إناء فيه عظام دجاجة مسلوقة قد أكلها، فقالت : يا سيدي ! تأكل لحم الدجاج ويأكل ابني خبز الشعير ؟ فوضع يده على تلك العظام وقال : قومي بإذن الله تعالى الذي يحيي العظام وهي رميم . فقامت الدجاجة سوية وصاحت، فقال الشيخ : إذا صار ابنك هكذا فليأكل ما شاء . وذكرها الشيخ عبد القادر القادري في [تفريح الخاطر] ص 32 .
قال الأميني : إن خاصة الأنبياء وفي الطليعة منها إحياء الموتى هل تتأتى لكل مرتاض، فلا يبقى بينه وبين النبي المرسل أي مائز ؟ وهب إن الباحث تصور لصدورها من الأولياء اعتبارا آخر فتكون كرامة للولي ومعجزة للنبي الذي ينتحل شرعته، إلا أنه اعتبار اهتدى إليه الفكر بعد روية طويلة، لكنه لا خارج له تصل إليه العامة، فاطرادها بل وظهورها من غير اطراد يحط عندها من مقام النبوة لمحض المشاكلة الصورية، وكلما كان كذلك لا يمكن وقوعه .
ثم هل لأكل خبز الشعير وما جشب من الطعام بمحضه أن يوصل السالك إلى مرتبة يحيي فيها الموتى، وإن كان المولى سبحانه يعلم إنه متى بلغ إلى هذه المرتبة ألهاه أكل الدجاجة المسلوقة أكلا لما ؟ ! وهل الرياضة شرط في حدوث القوة في النفس والملكات الفاضلة وليست شرطا في بقائها ؟ ! أو ليس التلهي باللذايذ مزيحة لتلكم الأحوال النفسية كما كانت الرياضة مجتذبة لها ؟ فاحف القول السؤال عن هذه المشكلات، فإن أجابوك فأخبرني .

- 70 -
عبد القادر يحتلم في ليلة أربعين مرة
ذكر الشعراني في الطبقات الكبرى 1 : 110 قال : كان الشيخ عبد القادر (الجيلاني) رضي الله عنه يقول : أقمت في صحراء العراق وخرائبه خمسا وعشرين سنة مجردا سائحا لا أعرف الخلق ولا يعرفوني، يأتيني طوائف من رجال الغيب والجان أعلمهم
/ صفحة 172 /
الطريق إلى الله عز وجل، ورافقني الخضر عليه السلام في أول دخولي العراق، وما كنت عرفته وشرط أن لا أخالفه وقال لي : اقعد هنا .
فجلست في الموضع الذي أقعدني فيه ثلاث سنين، يأتيني كل سنة مرة ويقول لي : مكانك حتى آتيك .
قال : ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات فآكل المنبوذ ولا أشرب الماء، ومكثت فيها سنة أشرب الماء ولا آكل المنبوذ، وسنة لا أكل ولا أشرب ولا أنام، ونمت مرة بايوان كسرى في ليلة باردة فاحتلمت فقمت وذهبت إلى الشط واغتسلت، ثم نمت فاحتلمت فذهبت إلى الشط واغتسلت فوقع لي ذلك في تلك الليلة أربعين مرة وأنا أغتسل، ثم صعدت إلى الايوان خوف النوم .
قال الأميني : اقرأه مع إمعان وتبصر في شأن هذا العارف معلم طوائف من رجال الغيب والجان الذي اتخذوه الطريق إلى الله، وكان رفيق الخضر عليه السلام، وأعجب من إنسان لم يأكل سنة، ولم يشرب أخرى، ويتركهما ثالثة، ولم تخر قواه حتى يحتلم في ليلة شاتية أربعين مرة، ويعبث به الشيطان بهذا العدد الجم وهو فان في الله ولو كان اتفق له ذلك خلال تلكم الأيام التي كان يأكل فيها الدجاجة المسلوقة ويحيي عظامها كما مر لكان يعد بعيدا عن الطبيعة البشرية .
وما أطول تلك الليلة حتى وسعت أربعين نومة ذات احتلام، وأغسالا بعدها على عدد الأحلام المتخللة بالذهاب إلى الشط والإياب إلى مقره ومنامه، وبعد ذلك كله تبقى منها برهة يصعد الشيخ إلى الايوان خوفا من النوم، ولعله لو نام بعد نومته المتممة للأربعين لبلغ العدد الأربعمائة أو أكثر، ولم يكن الشيطان يفارق ذلك الهيكل القدسي واللعب به مهما امتدت ليلته، وليس إحيائه عظام الدجاجة بأعظم من هذه الكرامة، وإن هي إلا أحلام نائم نسجتها أيدي العرونة غلوا في الفضائل .

- 71 -
قدم النبي صلى الله عليه وآله على رقبة عبد القادر
قال الشيخ السيد عبد القادر الكيلاني : لما عرج بجدي صلى الله عليه وسلم ليلة المرصاد، وبلغ سدرة المنتهى بقي جبريل الأمين عليه السلام متخلفا وقال : يا محمد ! لو دنوت أنملة لاحترقت فأرسل الله تعالى روحي إليه في ذلك المقام، لاستفادتي من سيد الأنام عليه وعلى آله
/ صفحة 173 /
الصلاة والسلام، فتشرفت به، واستصحلت على النعمة العظمى والوراثة والخلافة الكبرى، وحضرت وأوجدت بمنزلة البراق حتى ركب علي جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعناني بيده حتى وصل، فكان قاب قوسين أو أدنى وقال لي : يا ولدي وحدقة عيني ! قدمي هذه على رقبتك، وقدماك على رقاب كل أولياء الله تعالى .
وقال رضي الله عنه :
وصلت إلى العرش المجيد بحضرتي * فلاحــــت لي الأنوار والحق أعطاني
نظـــــــرت لعــــــرش الله قبل تخلقي * فـــــــلاحت لــي الأملاك والله سماني
وتوجـــــــني تـــــــاج الوصال بنظرة * ومن خلقه التشريف والقرب أكساني

- 72 -
عبد القادر وملك الموت
عن السيد الشيخ الكبير أبي العباس أحمد الرفاعي قال : توفي أحد خدام الشيخ عبد القادر الكيلاني وجاءت زوجته إليه فتضرعت والتجأت إليه وطلبت حياة زوجها فتوجه الشيخ إلى المراقبة فرأى في عالم الباطن إن ملك الموت عليه السلام يصعد إلى السماء ومعه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم فقال : يا ملك الموت ! قف واعطني روح خادمي فلان، وسماه باسمه، فقال ملك الموت : إني أقبض الأرواح بأمر إلهي وأوديها إلى باب عظمته، كيف يمكنني أن أعطيك روح الذي قبضته بأمر ربي ؟ فكرر الشيخ عليه إعطاء روح خادمه إليه، فامتنع من إعطائه، وفي يده ظرف معنوي كهيئة الزنبيل فيه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم، فبقوة المحبوبية جر الزنبيل وأخذه من يده، فتفرقت الأرواح ورجعت إلى أبدانها، فناجى ملك الموت عليه السلام ربه وقال : يا رب ! أنت أعلم بما جرى بيني و بين محبوبك ووليك عبد القادر، فبقوة السلطنة والصولة أخذ مني ما قبضته من الأرواح في هذا اليوم فخاطبه الحق جل جلاله : يا ملك الموت ! إن الغوث الأعظم محبوبي ومطلوبي لم لا أعطيته روح خادمه ؟ وقد راحت الأرواح الكثيرة من قبضتك بسبب روح واحد، فتندم هذا الوقت (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نفس المصدر الآتي في الخرافة التالية .
(2) تفريح الخاطر في ترجمة عبد القادر ص 5، 12 ط مصر مطبعة عيسى البابي الحلبي و شركاؤه سنة 1339

/ صفحة 174 /

- 73 -
وفاة الشيخ عبد القادر
ذكروا : إنه لما قربت وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني جاء سيدنا عزرائيل عليه السلام بمكتوب ملفوف من الرب الجليل في وقت غروب الشمس وأعطاه ولده الشيخ عبد الوهاب وكان مكتوب، على ظهره : يصل هذا المكتوب من المحب إلى المحبوب .
فلما رآه ولده بكى وتحسر ودخل بالمكتوب مع سيدنا عزرائيل عليه السلام على حضرة الشيخ، وقبل هذا بسبعة أيام كان معلوما لدى الشيخ انتقاله إلى العالم العلوي، وكان مسرورا ودعا الله لمحبيه ومخلصيه بالمغفرة، وتعهد أن يكون لهم شفيعا يوم القيامة، وسجد لله تعالى وجاء النداء : يا أيتها النفس المطمأنة ! ارجعي إلى ربك راضية مرضية .
وضج عالم الناسوت بالبكاء، وابتهج عالم الملكوت باللقاء (1) .
هذه نماذج من أوهام جاء بها الغلو في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني، ونحن لو ذهبنا لنجمع ما عزوه إلى الشيخ من الكرامات وإن شئت قلت : من الخرافات .
مما لا يوافقه العقل، ولا يصافق عليه المنطق، ولا يساعده الشرع الاسلامي الأقدس، ولا يدعم بحجة، ولا تصدقه البرهنة لأريناك موسوعة ضخمة تبعثك إلى الضحك تارة وإلى البكاء أخرى .

- 74 -
الرفاعي يقبل يد النبي صلى الله عليه وآله
قال أبو محمد ضياء الدين الوتري في [روضة الناظر] ص 54 : وفي هذه السنة [يعني 555] حج السيد أحمد الرفاعي (1) رضي الله عنه بإشارة معنوية، وزار قبر جده عليه الصلاة والسلام، وأنشد تجاه القبر الطاهر .
في حالة البعد روحي كنت أرسلها * تقـــــــبل الأرض عـني وهي نائبتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفريح الخاطر ص 38 .
(2) ولد 512 بقرية حسن من أعمال واسط وتوفي 578 توجد ترجمته في غير واحد من معاجم التراجم وأفرد فيها أحمد عزت پاشا العمري الموصلي كتابا أسماه [العقود الجوهرية في مدائح الحضرة الرفاعية] طبع بمصر في المطبعة البهية سنة 1306 في 139 صفحة .

/ صفحة 175 /
وهـــــــذه دولـــــة الأشباح قد حضرت * فامدد يمينك كي يحظى بها شفتي(1)
فظهرت له يد جده عليه الصلاة والسلام فقبلها والناس ينظرون .
وهذه القصة تواتر خبرها، وعلا ذكرها، وصحت أسانيدها، وكتبها الحفاظ والمحدثون، وكثير من أهل الطبقات والمؤرخين، لا ينكرها إلا جاهل قليل الرواية، حاسد لسلطان النبوة، وظهور المعجزة المحمدية، أو معذور من غير هذه الأمة الأحمدية، على إن ظهور هذه المعجزة النبوية في تلك الأعصار التي ظهرت بها البدع، وكثرت بها الفتن، وتفرقت بها الأهواء، وذهب بها أهل الباطل إلى مذاهب كثيرة كالإلحاد والزندقة وغير ذلك مما سلكه الفرق الضالة من طرق الضلالة ما كان إلا لإعلاء كلمة الحق والشريعة والدين على يد هذا السيد الجليل الذي اختصه الله ورسوله بهذه النعمة وأبرزه لهذه الخدمة، لعدم وجود من يماثله أو يشاكله في ذلك القرن من الأولياء والسادات وصالحي الوقت نفعنا الله بهم .
وقال في ص 62 : إذا عدت كرامات الرجال كفاه [يعني السيد أحمد الرفاعي] فخرا وشرفا تقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم بين جم غفير من المسلمين حتى سارت بها الركبان، وتواتر خبرها في البلدان، وقصر عندها باع أكابر الإنس والجان، وغبطه عليها الملأ الأعلى، كما قال ذلك في شأنه الشيخ عبد القادر الجيلي عليه الرحمة والرضوان .
وفي العقود الجوهرية ص 5 عن العبد الصالح العارف بالله عبد الملك بن حماد إنه قال : قدر الله لي الحج سنة خمسمائة وخمسة وخمسين، وجئت إلى المدينة وتشرفت بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الأسبوع جاء لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام شيخنا سيد العارفين إمام الأمة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وقد دخل البلدة بقافلة عظيمة من الزوار فلما دخل الحرم الشريف النبوي وقف تجاه القبر الأفضل، والوقت بعد العصر وقد غص الحرم المبارك بالناس وأنشد غائبا عن نفسه حاضرا بمحبوبه :
في حالة البعد روحي كنت أرسلها * تقبــــل الأرض عني وهي نائبتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نسبهما والقصة برمتها صاحب [تفريح الخاطر] إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، ولا ضير في كل عز ومختلق مهما كانت الغاية تفريح الخاطر غلوا في الفضائل، بعد الغض عن حكم العقل والشرع والمنطق .

/ صفحة 176 /
وهـــــذه دولة الأشباح قد حضرت * فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فظهرت له يد النبي عليه الصلاة والسلام تتلمع بيضاء سوية كأنها زند البرق، فقبلها والناس ينظرونه، وقد من الله تعالى تفضلا علي فرأيتها ورأيت كيف استلمها، وإني أعد هذا الشهود الباهر ذخيرة المعاد، وزاد القدوم على الله تعالى .
ثم قال : وكان في القافلة المذكورة الشيخ أحمد الزعفراني، والشيخ عدي بن مسافر الأموي، والسيد عبد الرزاق الحسيني الواسطي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد الزاهد، والشيخ حيوة بن قيس الحراني، والشيخ عقيل المنبجي العمري، و جماعة من مشاهير أولياء العصر وقد تشرفت الكل برؤيا اليد النبوية الطاهرة الزكية واندرجوا تحت بيعة مشيخته رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وخبر هذه القصة متواتر مشهور، وقد ساقه كثير من أعيان الرجال بوجه التفصيل فليراجع .
قال الشيخ تقي الدين الفقيه النهروندي المتوفى 594 في قصيدة أولها :
أي ســـــــر جــاءت به الأنبياء * وحـــــــديث رواتـــه الأولياء ؟
سلسلته السادات أهل المعالي * وحـــــــكته الأئمـــــــة الأتقياء
فــــــروى نشره الصديرين ريا * وأضـــــــاءت بنـــوره البطحاء
مد طـــــــه يميــــنه للـــرفاعي * فانجـــــــلت عـندها له الأشياء
إلى أن قال :
لا تقل كيـــــــف تـــــــم هذا ؟ وأيقن * يفعـــــــل الله ربـــــــنا مـــــــا يشـاء
واهجر المارقين واعذر إذا مــــــــا * أنـــــــكر الشـــــــمس مقــلة عمياء
أيكون النبي ميتـــــــا ؟ وفــــي القر * آن أحــــــياء ربهـــــــا الشـــــــهداء
وبمـــــــد اليميـــــــن لابـن الرفاعي * حجة فـــــــي مقـــــــامها سمحـــــاء
شهـــــــدتها المســـــــاء آلاف قـوم * ورآهـــــــا الاقـــــــران والأكفـــــــاء
صار ذاك المساء صبحا فما أعجب * يومـــــــا فــيـــــــه الصبــاح مساء ؟
وقال صاحب العقود الجوهرية يمدحه في قصيدة له :
ذاك الـــــرفاعي الذي فعله * يعـــــز في النقد على الناقد
كم ركب الليث ؟ وكم راكب * ذلل مـــن صولة مستأسد ؟
/ صفحة 177 /
كف رسول الله في لثمهـــــا * حــاز بها الفخر على الجاحد
قـــــــد مـدها من قبره نحوه * لاحـت إلى الحاضر والشاهد
وقال الحافظ الحاج ملا عثمان الموصلي في قصيدة يمدح بها السيد الرفاعي :
له الأفـــــــاعي وأســد الغاب طائعة * والجـــــــن تبــــصر من آياته العجبا
ألا تـــــــرى إن مــــن ينمى إليه فلا * يخـشى من النار مهما أوقدت لهبا ؟
كفاه تقبيل يمنـــــــى الهـــاشمي أبي * الزهراء فخرا وعنها الغير قد حجبا
وقال السيد محمد أبو الهدى الرفاعي في تخميس قصيدة سراج الدين المخزومي :
أكــرمت من طه بكف جنابه * بين القفول مذ التجأت ببابه
فلثمتـــه وعرفت في أحبابه * نـــورا أراد الله أن تحيى به
رغما لمن فتكت به الظلمات
وقال من قصيدة يمدحه بها :
كفى شرفا تكـــــليم خير الورى له * وامـــــــداده إذ مــــد جهرا له اليدا
وليــــس عجيبا حين صح انتسابه * إليـــــــه إذا أبـــــــدى إليــــه توددا
كـــــــرامة حـــــــق وهي ثابتة له * ومعجزة للمصطفى خير مـن هدى
وقال بهاء الدين السيد محمد الرواس في قصيدة له يمدحه بها .
كفاه إن رســـــــول الله مـد له * يـد القبول وزهر العصر نضار
وقال من جده خير الورى خلقا * له انطــوى فيه إعزاز وإظهار
وقال عبد الحميد أفندي الطرابلسي في قصيدة له يمدحه بها :
هــــو الحجة الكبرى على كل قائم * لــــذاك يـــد المختار مدت له جهرا
ومـــــــن هـــــذه والله حجة فضله * أجل غيره في القوم حجته صغرى
وقال السيد عبد الغفار الأخرس في قصيدة يمدحه بها :
تولد من رسول الله شبــــل * بـــــه دانت له كل السباع
وقبـل كف والده جــــــهارا * غدت بالنور بادية الشعاع
وشاهدها الثقات وكل فـرد * رآهــــــا بانفراد واجتماع
فتلك مزية لم يحظ فيــــــها * سواه من مطيع أو مطاع
/ صفحة 178 /
وقال أبو الفرج السيد أحمد شاكر الآلوسي من قصيدة يمدحه بها :
هو قطب الوجود غوث البرايا * غيثها المرتجى على الإطلاق
كـــــــم له من مناقب سائرات * كمسيــــر البدور في الآفاق ؟
حـــاز من جده الرسول مقاما * لم يزل ذكره مدى الدهر باقي
حيثـــــــما زاره وقبـــــــل كـفا * منـــــــه قـد آذنت له بالتلاقي
وقال الفقيه يحيى بن عبد الله الواسطي في قصيدة يمدحه بها :
مدت لـــــــه يـــــــد طه ثم قبلها * يهنيه مجدا نأى أن يقبل الشركا
والمصطفى بكتاب العتق أكرمه * والله أحيــــا له لما دعا السمكا
وقال صفي الدين يحيى بن المظفر البغدادي الحنبلي في قصيدة يمدحه بها :
ولـــــه إمام الرسل مد يدا لها * فتـــــــحت كنوز حقائق القرآن
وقوافل الحجاج سكرى عندها * ما بــــين مبهوت وذي أشجان
وقال السيد عبد الحي الحسيني مفتي [غزة هاشم] من قصيدة يمدحه بها:
علم الشرق أحـــمد من إليه * مد طـــــــه يمينــــــه إجلالا
مد راحا إلى النبي بها كــــل * محــال لو رامه ما استحالا
يالراح قد صافحتها المعالي * وشفـــــــاة لقد لثمن الهلالا
وقال السيد إبراهيم الراوي الرفاعي الشافعي من قصيدة يمدحه بها :
وهو باب النـــــــبي لاثم يمـناه * جهارا وقــــد تجلى تعـــــــالى
حـــــــين أبدى محمد معجزات * معجـــــــزات لأحــــــمد إجلالا
كيف ؟ وهو شبله وكذا الآباء * تعـــــــلو إن أنجــــــبت أشبالا
وقال السيد سراج الدين المخزومي في كتابه [صحاح الأخبار] من قصيدة يمدح بها الرفاعي :
يا ابن من كان في الثبوت نبيا * قبل كون القــــوالب الطيـــــــنيه
لك جمع في مشهد الوجد بانت * منه للقـــــــوم حــــكمة الفرقيه
لـــــك قرب أقام في حالة البعد * منـــــــارا في الروضة الحرميه
/ صفحة 179 /
حــــين مدت يد الرسول جهارا * لـــــك يا حـــــــسن خلعة علنيه
شاهدتها الألوف من كل أرض * فــــروى نشرها البقاع القصيه
وبآذاننا تـــــــواتر هـــذا المجــ * ـــد أقـــــــراط فخــــره جوهريه
وذكر القصة القاضي الخفاجي الحنفي في شرح الشفا 3 : 489، والعدوي الحمزاوي في كنز المطالب ص 188 وفيه : فمد يده الشريفة من الشباك فقبلها .
وابن درويش الحوت في أسنى المطالب ص 299 وقال : إذا أكرم الله عبدا برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة يمثل له نوره الشريف بصورة جسمه الكريم وربما ظنه الرائي إنه الجسم الشريف لغلبة الحال، ومن ذلك ما وقع لسيدنا الرفاعي رضي الله عنه .. الخ .
قال الأميني : لا تهمنا رؤية السيد الرفاعي يد النبي الشريفة وتقبيله إياها وقد جاء القوم بأعظم وأعظم منها، هذا الشيخ عبد القادر الجيلاني استصحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج (1) وهذا جلال الدين السيوطي وقد رأى نفس النبي الأقدس في اليقظة بضعا وسبعين مرة، وروى آخر عنه صلى الله عليه وآله أحاديث، وكان آخر يشاوره في أموره قال الشيخ حسن العدوي الحمزاوي في مشارق الأنوار، وكنز المطالب ص 197 نقلا عن [بهجة النفوس والأسماع] للشعراني عند نقله لمزايا الكمال : منها شدة قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل وقت فلا يكاد يحجب عنهم في ليل أو نهار حتى أن بعضهم صحح عنده أحاديث عنه صلى الله عليه وسلم قال بعض الحفاظ بضعفها من طريق النقل الظاهر فتقوت بذلك عنده .
قال : وقد أدركت جماعة ممن لهم هذا المقام منهم سيدي علي الخواص (2) والسيد علي المرصفي وأخي أفضل الدين، والشيخ جلال الدين السيوطي، والشيخ نور الدين الشوتي، والشيخ محمد الصوفي ببلاد الفيوم رضي الله عنهم أجمعين .
قال : وكان الشيخ نور الدين الشوتي يشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم في أموره، وهي ومن جملة ما شاوره فيه حفر البئر التي في زاويتنا فإننا حفرنا ثلاثة آبار وهي تطلع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع كتاب تفريح الخاطر في ترجمته .
(2) ترجمه الشعراني في طبقاته الكبرى 2 135 - 153 وبدء ترجمته بقوله : كان رضي الله عنه يتكلم عن معاني القرآن العظيم والسنة الشريفة كلاما نفيسا تحير فيه العلماء وكان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والاثبات. وقد أكثر في تلكم الصفحات من هذه المخاريق فراجع .

/ صفحة 180 /
فاسدة وماؤها منتن .
فقال له صلى الله عليه وسلم : قال لهم : يحفروا في باب الحوش ففعلنا فطلعت بئرا عظيمة وماؤها حلو، فالحمد لله رب العالمين .
إقرأ واسأل العقل السليم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده .

- 75 -
الغزلاني يكشف عما في الخواطر
قال أبو محمد ضياء الدين الوتري في روضة الناظرين ص 133 في ترجمة الشيخ محمد الغزالي الموصلي الشهير بالغزلاني (1) المتوفى 605 نقلا عن الشيخ محمد أبي عبد الله بن تاج ابن القاضي يونس الموصلي أنه قال : كنا مع جماعة من ثقات علماء الموصليين بزيارة الشيخ محمد الغزلاني قدس الله سره وكان الوقت وقت المغرب، وقد أظلم الغار الذي هو فيه فثقل ذلك على الجماعة فكشف ما في خواطرهم وتبسم وقال : ما عندنا زيت ولا لنا سراج، ثم أشار إلى شجرة أمام الغار، فلمعت أغصانها نورا أضاء منه الجبل، فوالله ما بتنا ليلة أبهج وأكثر أنسا عندنا من تلك الليلة .
قال الأميني : : إقرأ وتعقل واحكم.

- 76 -
الشاطبي يعلم جنابة الجنب
قال الجزري : أخبرني بعض شيوخنا الثقات عن شيوخهم : إن الشاطبي القاسم بن فيرة الضرير (2) كان يصلي الصبح بالفاضلية بغلس ثم يجلس للأقراء فكان الناس يتسابقون السرى إليه ليلا، وكان إذا قعد لا يزيد على قوله : من جاء أولا فليقرأ : ثم يأخذ على الأسبق فأسبق، فاتفق أن قال يوما : من جاء ثانيا فليقرأ وبقي الأول وكان من أصحابه لا يدري ما الذنب الذي أوجب حرمانه ففطن إنه أجنب تلك الليلة ولشدة حرصه على النوبة نسي ذلك، فبادر إلى حمام جوار المدرسة فاغتسل ورجع قبل فراغ الثاني والشيخ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وذلك لأن الغزلان لا زالت كانت تزوره وتأنس به . روضة الناظرين 133 .
(2) أبو محمد الضرير المقرئ صاحب القصيدة التي أسماها - حرز الأماني ووجه التهاني - في القرءات عدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا، ولد سنة 538، وتوفي سنة 590 ودفن بالقرافة وقبره مشهور مزور .
شذرات الذهب 4 : 302 .

/ صفحة 181 /
قاعد أعمى، فلما فرغ الثاني قال الشيخ : من جاء أولا فليقرأ . وهذا من أحسن ما وقع لشيوخ هذه الطائفة بل لا أعلم مثله وقع في الدنيا . مفتاح السعادة 1 : 388 .
قال الأميني : ليس الأمر كما حسبه الجزري من أن هذه الحالة من خاصة الشاطبي وما وقع مثلها في الدنيا، وقد أسلفنا ذكر جماعة حسبوا إنهم كانوا يخبرون عن الضمائر ويعلمون المغيب، وكأن القوم اتخذوا المغيبات العوبة يطل عليها كل أعمى أو بصير أو إن الغلو في الفضائل أسف بهم إلى هذه الهوة .

- 77 -
الحشرات تنحدر في الوادي
قال عمر بن علي السرخسي : كنت مراهقا وقت موت الوخشي (1) الحافظ أبي علي الحسن بن علي البلخي فحضرته فلما وضع في القبر سمعنا صيحة فقيل : خرجت الحشرات من المقبرة وكان في طرقها وإذا انحدرت إليه وأبصرت العقارب والخنافس وهي منحدرة في الوادي والناس ما يتعرضون لها .
ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ 3 : 344 .
قال الأميني : دع الحشرات تنحدر، وانظر إلى عقل هذا الحافظ راوي هذه المهزأة فإنه يخبت إلى مثل هذه الأسطورة ويراها مدحا لرجال قومه، فما بال العقارب و الخنافس لم تغادر مقبرة المدينة الطيبة وبقيعها الغرقد ومسجدها الأعظم ولم تنحدر إلى الوادي وكأنها أنست بها، غير إن حشرات مقبرة الوخشي تفر عنه ؟ ! هذا عقل الذهبي وروايته وتراه لما يقف على منقبة من مناقب مولانا أمير المؤمنين ولم ترقه ولا يجد في سندها ومتنها غمزا يتخلص منها بقوله : إن في نفسي منها شيئا . راجع تلخيص المستدرك .

- 78 -
اليونيني يمشي في الهواء
قال الحافظ ابن كثير في تاريخه 13 : 94 : ذكروا إن - الشيخ عبد الله اليونيني المتوفى 617 - كان يحج في بعض السنين في الهواء، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نسبة إلى وخش : قرية من أعمال بلخ .

/ صفحة 182 /
الزهاد وصالحي العباد، ولم يبلغنا هذا عن أحد من أكابر العلماء، وأول من يذكر عنه هذا حبيب العجمي، وكان من أصحاب الحسن البصري ثم من بعده من الصالحين رحمهم الله أجمعين .
قال الأميني : ليس بعجيب من ابن كثير أن يخبت إلى أمثال هذه الأعاجيب، و يشوه بها صحيفة تاريخه، ويرتفع صخبه متى وقف على منقبة من مناقب أهل البيت عليم السلام هي أدنى من هذه الموهومات التي يمجها الاعتبار، ويحيلها العقل، لكن الحب والبغض يعميان كما إنهما يصمان .

- 79 -
الحضرمي يعلم النحو بالاجازة
قال ابن العلماء الحنبلي في شذرات الذهب 5 : 361 : للشيخ إسماعيل الحضرمي المتوفى 678 كرامات، قال المطري : كادت تبلغ التواتر منها .
إن ابن المعطي قيل له في النوم : إذهب إلى الفقيه إسماعيل الحضرمي واقرأ عليه النحو فلما انتبه تعجب لكون الحضرمي لا يحسنه ثم قال : لا بد من الامتثال فدخل عليه وعنده جمع يقرؤن الفقه فبمجرد رؤياه قال : أجزتك بكتب النحو فصار لا يطالع فيه شيئا إلا عرفه بغير شيخ .
قال الأميني : خذ العلم من أفواه الرجال أو من إجازاتهم، ما أكثر ما سمعنا التعلم بالدراسة، ولكن هل سمعت أذناك تعلما بإجازة أو تزريقا للعلم بكلمة واحدة ؟ وهل سمعت أكرومة مثلها عن أحد من الرسل ؟ أو أنها فضيلة اختص بها الحضرمي ؟ ولم يتح مثله لأي أحد حتى إن النبي الأعظم لم يعلم عمر بن الخطاب الكلالة بالاجازة وكان يقول : أراك لم تعلمها .
ويقول لبنته حفصة : أرى أباك لم يعلمها .
إلى مئات من مجهولات الخليفة التي لم يتوفق لاستكناهها باشراق، أو إجازة، أو دراسة، مع حاجته الماسة إليها يوم تسنم عرش الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان غير عازب عن علمه صلى الله عليه وآله وحاجة الأمة إليها، ولم تكن تلكم المجهولات كعلم النحو الذي لا تقوم به دعامة الاسلام و القضاء والفتيا، أضف إليه أخاه يوم المؤاخاة الخليفة الأول، وما أكثر مجهولاته وما خفي عليه من معالم الدين وأحكام الشريعة ؟ وليت باب التعليم بالاجازة كان مفتوحا منذ
/ صفحة 183 /
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ويعلم صلى الله عليه وآله وسلم ثالث الخلفاء الراشدين عثمان معالم دينه، ولم تك تشوه صفحات الفقه الاسلامي بآراءه الشاذة عن الكتاب والسنة .

- 80 -
الحضرمي وأصحاب القبور
ذكر السبكي في طبقاته 5 : 51، واليافعي في رياضه ص 96 عن إسماعيل الحضرمي المذكور : إنه مر على بعض المقابر في بلاد اليمن فبكى بكاءا شديدا، وعلاه حزن وترح، ثم ضحك ضحكا حميدا، وعلاه في الحال سرور وفرح، فتعجب الناس الحاضرون هنالك وسألوه عن ذلك فقال رضي الله عنه : كشف لي عن أهل هذه المقبرة فرأيتهم يعذبون فحزنت وبكيت لذلك، ثم تضرعت إلى الله سبحانه وتعالى فيهم فقيل لي : قد شفعناك فيهم فقالت صاحبة هذا القبر : وأنا معهم يا فقيه إسماعيل ! أنا فلانة المغنية .
فضحكت وقلت : و أنت معهم .
ثم إنه أرسل إلى الحفار وقال : من في هذا القبر القريب العهد ؟ قال : فلانة المغنية التي تشفع لها الشيخ نفع الله تعالى بها .
قال الأميني : أنا لا أدري بأيها أعجب ؟ أبدعوى الحضرمي إطلاعه على عالم البرزخ وقبول شفاعته في أهل تلك الجبانة حتى في المغنية ؟ أم باطلاع الحفار على ذلك السر المصون ؟ أم بوقوف المغنية على تلك الشفاعة والتشفع في الحين، ومفاوضتها مع الفقيه في أمرها وهي في قبرها، من دون أي سابقة تعارف بينهما ؟ وإذا كان الكل لم يقع فلا تمايز بين الإعدام، وإنما العجب من بخوع الأعلام بمثل هذه الأوهام .

- 81 -
رد الشمس لإسماعيل الحضرمي
أسلفنا في الجزء الخامس صفحة 21 وقوف الشمس لإسماعيل الحضرمي يوم قال لخادمه وهو في سفر : قل للشمس تقف حتى نصل إلى المنزل .
فوقفت حتى بلغ مقصده ثم قال للخادم : أما تطلق ذلك المحبوس ؟ فأمرها الخادم بالغروب فغربت وأظلم الليل في الحال . ذكرها كما مر السبكي في طبقاته 5 : 51، واليافعي في مرآته 4 : 178، وابن
/ صفحة 184 /
العماد في شذراته 5، 362، وابن حجر في الفتاوي الحديثية ص 232 .
لعل شرع الهوى يسوغ للانسان زخرف القول، وأن يفوه بما شاء وأراد، وأن ينسلب عن عقله ويكيل كيل المعتوهين، أعوذ بالله من الغلو في الفضائل .

ـ 82 ـ
الدلاوي يرضع طفلا
قال اليافعي في مرآت الجنان 4 ص 265 : كان عند السيد أبي محمد عبد الله الدلاوي المتوفى 721 - طفل غابت أمه عفه فبكى فدر ثديه باللبن فأرضع ذلك الطفل حتى سكت .
لست أدري ما قيمة أمثال هذه الكتب التاريخية المشحونة بأمثال هذه الأضحوكة، وهي السائرة الدائرة في الملأ العلمي يعول عليها ويؤخذ منها .

- 83 -
شمس الدين الكردي يواصل أسبوعا
قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 7 : 893 : كان شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسي نزيل القاهرة الشافعي المتوفى 811 يواصل الأسبوع كاملا، وذكر إن السبب فيه أن تعشى مع أبويه قديما فأصبح لا يشتهي أكلا، فتمادى على ذلك ثلاثة أيام، فلما رأى أنه له قدرة على الطي تمادى فيه أربعينا، ثم اقتصر على سبع، وكان فقيها، وكان يذكر أنه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء .
قال الأميني : الطبع البشري لا يطيق المثابرة على الجوع أربعين يوما ولا أسبوعا، كما إنه لا يطيق على السهر أربعا، ولعل الفقيه الكردي كانت له نظرية خاصة في مبطلات الوضوء، أو المغالاة في الفضائل كانت تخلق له هذه كلها .

- 84 -
الشاوي يستمهل للميت
ذكر المناوي في طبقاته قال : كان أحمد بن يحيى الشاوي اليمني المتوفى 841 كبير القدر سريا، رفيع الذكر سنيا، صاحب أحوال وكرامات منها : إنه قصده جمع من الزيدية ممن لا يثبت الكرامات، وقصدوا امتحانه وكان عنده جب فيه ماء، فجعل
/ صفحة 185 /
يغرف منه تارة لبنا، وتارة سمنا، وأخرى عسلا، وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه .
ودخل على القاضي عثمان بن محمد الناشري وقد أرجف بموته، ثم خرج وعاد إليه وقال لأهله : قد استمهلت له ثلاث سنين، فأقام القاضي بعدها ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص . شذرات الذهب 7 : 240 .
قال الأميني : أنا لا أدري إن الشاوي هل رد أجلا جاءكما هو ظاهر قوله : وقد أرجف بموته .
وفي الذكر الحكيم : إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ؟ أو أنه موه على آل القاضي بازوف أجله وأنه استمهل له إلى منتهى ثلاثة أعوام ؟ وحسبه الإفك الشائن عندئذ، ومن ذا أعلمه إنه يرجأ إلى منصرم سنين الثلاث ؟ و لعل علمه بذلك كان مدخرا في الجب الذي كان يغرف منه العسل طورا، واللبن تارة، والسمن مرة، والماء أخرى، وهذه المخازي خامسة، ولا بأس عليه فإن البئر بئره والماء ماءه، يغترف منها ما يشاء .
فــإن الماء ماء أبي وجدي * وبئري ذو حفرت وذو طويت

- 85 -
إمام يعلم حوائج زائريه وهو في قبره
قال ابن العماد في شذرات الذهب 7 : 292 : توفي أبو القاسم محمد بن إبراهيم من بيت بني جمعمان سنة 857 وكان إماما مجتهدا وانتهت إليه الرياسة في العلم والصلاح في اليمن وله كرامات منها : إنه كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره، وإذا قصده أحد في حاجة توجه إلى قبره فيقرأ عنده ما تيسر من القرآن ثم يعلمه فيجيبه .
قال الأميني : زلة العالم يضرب بها الطبل، وزلة الجاهل يخفيها الجهل .

- 86 -
حكي إن السيد يحيى بن السيد بهاء الدين الشرواني الحنفي المتوفى 768 كان لم يأكل طعاما في آخر عمره مقدار ستة أشهر(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شذرات الذهب : 7 : 309 .

/ صفحة 186 /
قال الأميني : حبذا لو قبلته الطبيعة البشرية، وخضع له العقل السليم، لكنك تعلم ..

- 87 -
شيخ يأكل بقرة
قال المناوي في طبقاته في ترجمة إبراهيم بن عبد ربه المتوفى 878 : أخذ عن الشيخ محمد الغمري، والشيخ مدين، قال : دخل مرة بيت الشيخ مدين في مولده فأكل طعام المولد كله .
وأكل مرة لحم بقرة كاملة ثم طوى بعدها سنة، و من كراماته ما حكاه الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري إنه قال له : بعدك نسائل في مهماتنا من ؟ قال : من بينه وبين أخيه ذراع من تراب، فاسألني أجيبك، فمرضت بنته فالتمسوا لها بطيخة فما وجدت فجاء إلى قبره وقال : الوعد ثم رجع بعد العشاء فوجد في سلم بيته بطيخة لم يعلم من أين جاءت . شذرات الذهب 7 : 323 .
قال الأميني :
وصاحب لي بطنه كالهاويه * كــــأن في أحشاءه معاويه
أنا في حيرة بين محالات ثلاث : أكل الشيخ البقرة كاملة، وانطوائه على الجوع سنة، وإعطائه البطيخ وهو تحت أطباق الثرى، ولعله كان بينه وبين ابن أبي سفيان آصرة رحم فأتاه ناموس الوراثة عند أكل البقرة من هنالك، ولكني لا أدري من أين أتته الوراثة في الصبر على الطوي سنة، ولم يكن يطيقه معاوية، ولا يطيقه أي إنسان و إن أكل عشرات من البقرة، فإنه يهلك قبل عشر من معشار هذه المدة، ولعلك تقول : إن من المحتمل إنه كان مصابا بدعوتين له وعليه فاجيبتا، وأكل الشيخ وصبر، لكن حديث البطيخة أنا لا أعرف منشأه ومبتداه كما أني أجهل خبره .

- 88 -
خمر بلدة صارت خلاً
نشأ داود بن بدر الحسيني المتوفى 881 بشرافات من أعمال الفدس، وكان أهلها كلهم نصارى ليس فيهم مسلم إلا الشيخ وأهل بيته، وكانت حرفة أهل القرية عصر العنب وبيعه فشق ذلك عليه، فتوجه بسببهم فصار كل شئ عملوه خلا وماء وعجزوا
/ صفحة 187 /
فارتحلوا منها، ولم يبق فيها إلا الشيخ وجماعته(1).
قال الأميني : ما ظنك ببيئة لم تكن فيها حرفة إلا عصر العنب وبيعه ؟ وكيف كانت تغني هذه الحرفة أهل تلك القرية عن ساير المكاسب ؟ وهل تنحصر حرفة النصارى بعصر العنب وبيعه، ولا يوجد منهم ذو حرفة آخرى ؟ وهل كان الشيخ وأهل بيته يديرون كل تلكم المكاسب والمهن التي تحتاج إليها كل جامعة بشرية ؟

- 89 -
أبو المعالي يحيي ويميت
قال الإمام أبو محمد ضياء الدين الوتري في [روضة الناظرين] ص 112 في ترجمة السيد محمد أبي المعالي سراج الدين الرفاعي المتوفى 885 : إنه مس بيده المباركة ظهر رجل أحدب فقوم الله تعالى إحديدابه، وصار على أحسن تقويم كأن لم يكن به إحديداب قبل ذلك أبدا .
وقال : مر في الشام بغلام ذباح ذبح شاة ووضع السكين في فيه وكان الغلام على طائفة من الحسن والجمال فلما رآه وقف عنده والشاة تختبط مذبوحة وقد قرب خروج روحها فقال للذباح :
يا واضع السكين بعد ذبيحـه * فـــي فيه يسقيها رحيق لهاته
ضعها بجرح الذبح ثاني مرة * وأنــــا الضمين له برد حياته
فأشار إلى الذباح أتباع سيدنا السيد السراج قدس سره بإعادة السكين إلى الجرح، فأعادها، فانتفضت الشاة سليمة لا جراحة فيها ولا ذبح بإذن الله .
وقال : ومما حدثنا به الجم الغفير من الثقات أن رجلا ممن ينتمي إلى السيادة ببلدة هيت اسمه كبش اشتهرت به في هيت خرقة الطريقة القادرية، وكان من الأدب مع أهل الله بمعزل، فكان كثيرا ما يسئ فقراء الطرق السائرة وبالخاصة الأحمدية (2) فعاتبه بالواسطة سيدنا السيد سراج الدين ونصحه فأغلظ الجواب فكتب له السيد السراج كتابا وأرسله مع جماعة من أهل هيت كتب فيه مصرحا بغوثية عصره ما هو بحروفه :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شذرات الذهب ج 7 .
(2) أراد بها الرفاعية أتباع السيد أحمد الرفاعي .

/ صفحة 188 /
لله في هذا الــــــورى خــــاتم * تجري المقـــادير على نقشه
فــــــي نــوعه من سره حالة * تستـــنزل الجبار عن عرشه
يفيــض من فيض إله الورى * وبطشـــــه يظهــر من بطشه
وإن طغــا بالكبـش لحم الكلا * يدخل رأس الكبش في كرشه
فلما وصله الكتاب ضحك وقرأه لأصحابه علنا فلما قرأ البيت الأخير وأتمه سقط في الحال ميتا .
قال الأميني : كلام شعري حسن، والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ؟ إنهم يقولون ما لا يفعلون، كبرت كلمة تخرج من أفواهم إن يقولون إلا كذبا .

- 90 -
تطور أبي علي ليلا ونهاراً
قال المناوي في طبقاته في ترجمة أبي علي حسين الصوفي المتوفى 861 : كان كثير التطور يدخل عليه إنسان فيجده سبعا، ثم يدخل عليه آخر فيجده جنديا، ثم يدخل عليه آخر فيجده فلاحا، أو فيلا وهكذا .
وقال آخرون : كان التطور دأبه ليلا ونهارا حتى في صورة السباع والبهائم، ودخل عليه أعداؤه ليقتلوه فقتلوه فقطعوه بالسيوف ليلا، ورموه على كوم بعيد، فأصبحوا فوجدوه قائما يصلي بزاويته، ومكث بخلوة في غيط خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرب . شذرات الذهب 7 : 250 .
قال الأميني : من لي بمعتوه يصدق هذه الأفائك ؟ متى سمعت بإنسان يتطور بصور الكواسر والبهائم كالشياطين التي تتشكل بأشكال مختلفة حتى الكلب والخنزير ؟ أو رجل حي بعد ما قطع بالسيوف إربا إربا ؟ أو بشر عاش على الطوي أربعين عاما ؟ هذه هي الحقيقة الراهنة لكن علماء الأمة قالوا قولا في أوليائها ولا سبيل إلى رده، لأنه قول عالم في ولي .

- 91 -
السيوطي رأى النبي صلى الله عليه وآله يقظة
قال ابن العماد في شذرات الذهب 8 : 54 : ذكر الشيخ عبد القادر الشاذلي في
/ صفحة 189 /
كتاب ترجمته : أن جلال الدين السيوطي كان يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فقال لي : يا شيخ الحديث ! فقلت له : يا رسول الله ! أمن أهل الجنة أنا ؟ قال : نعم .
فقلت : من غير عذاب يسبق ؟ فقال : لك ذلك .
وقال الشيخ عبد القادر : قلت له : كم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ؟ فقال : بضعا وسبعين مرة .
قال الأميني : لا يحل هذه المشكلة إلا راء آخر له صلى الله عليه وآله يقظة كما رآه السيوطي فيسأله عن هذه الدعوى، فيخبره إن السيوطي كذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم بضعا وسبعين كذبة .
أو يوافي رجلا من المتنعمين في الجنة فيسأل عن مبوء السيوطي منها فيقول : أنا قط ما رأيته .
وأما إذ لم يتأتيا فإنا نحيل الحكم في هذه القصة إلى العقل السليم لا إلى الغلاة في الفضائل، هذه رؤية القوم النبي يقظة، وأما رؤيتهم في المنام فتربو على المئات، قال أبو عبد الله بن خفيف : سألت أبا جعفر الكتاني كم مرة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ؟ فقال : كثيرا . فقلت : يكون ألف مرة ؟ فقال : لا . فقلت : فتسعمائة ؟ فقال لا .
قلت : فثمانمائة مرة ؟ فقال : لا ؟ قلت : فسبعمائة ؟ مرة ؟ فقال : بيده هكذا أي قريبا منه [حلية الأولياء 10 : 343] .
وجمع محمد بن محمد الزواوي البجائي مناماته في جزء وفيها أزيد من مائتي رؤيا رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وفيها عجائب وغرائب [نيل الابتهاج ص 322] وإن تعجب فعجب ما جاء به الزواوي في مناقب مالك ص 17 قال قال المثنى بن سعيد القصيري : سمعت مالكا يقول : ما بت ليلة إلا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

- 92 -
السيوطي وطي الأرض
ذكر محمد بن علي الحباك خادم الشيخ جلال الدين السيوطي المتوفى 911 : إن الشيخ قال له يوما وقت القيلولة : وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة : أتريد أن تصلي العصر بمكة بشرط أن تكتم ذلك علي حتى أموت ؟ قال : فقلت : نعم .
قال : فأخذ بيدي وقال : غمض عينيك فغمضها فرحل بي نحو سبع وعشرين خطوة ثم قال لي : افتح عينيك فإذا نحن بباب المعلاة فزرنا أمنا خديجة، والفضل
/ صفحة 190 /
بن عياض، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام حتى صلينا العصر، وطفنا وشربنا من ماء زمزم ثم قال لي : يا فلان ! ليس العجب من طي الأرض لنا، وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا، ثم قال لي : إن شئت تمضي معي، وإن شئت تقيم حتى يأتي الحاج ؟ قال : فقلت : أذهب مع سيدي، فمشينا إلى باب المعلاة وقال لي : غمض عينيك فغمضتها فهرول بي سبع خطوات ثم قال لي : افتح : عينيك فإذا نحن بالقرب من الجيوشي، فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض .
أسلفنا هذه القصة وجملة من لداتها في الجزء الخامس ص 17 - 21 وفصلنا القول هنالك تفصيلا .

- 93 -
أبو بكر باعلوي يحيي الميت
لما رجع أبو بكر بن عبد الله باعلوي المتوفى 914 من الحج دخل زيلع وكان الحاكم بها يومئذ محمد بن عتيق فاتفق إنه ماتت أم ولد للحاكم المذكور وكان مشغوفا بها فكاد عقله يذهب لموتها، فدخل عليه السيد - باعلوي - لما بلغه عنه من شدة الجزع ليعزيه ويأمره بالصبر وهي مسجاة بين يديه بثوب فعزاه وصبره فلم يفد فيه ذلك، وأكب على قدمي الشيخ يقبلهما وقال : لا سيدي ! إن لم يحي الله هذه مت أنا أيضا، ولم يبق لي عقيدة في أحد، فكشف السيد عن وجهها وناداها باسمها فأجابته : لبيك ورد الله روحها، وخرج الحاضرون ولم يخرج السيد حتى أكلت مع سيدها الهريسة وعاشت مدة طويلة . شذرات الذهب 8 : 63، النور السافر ص 84 .
قال الأميني : فليذهب مسيح بن مريم بخاصته من إحياء الموتى بإذن الله حيث شاء، فقد جاء باعلوي ونظراءه أمة كبيرة يشاركونه في المعجز، نعم : الفاصل بين المسيح وهؤلاء أربعة أصابع (1) وإنا وإن لم نر معجز المسيح عليه السلام لكن أخذنا خبره مما هو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إشارة إلى الحديث المعروف المروي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : بين الحق و الباطل أربعة أصابع .
الفاصلة بين العين والأذن .

/ صفحة 191 /
أثبت من الرؤية ألا وهو القرآن الكريم، على حين إنه معتضد بالاعتبار والبرهنة الصادقة من لزوم نوع المعجز لمثل المسيح من الأنبياء والحجج من الذين عصمهم الله من كل هوى سائد وطهرهم تطهيرا .
ونحن إلى الغاية لم نعرف سر إحياء السيد باعلوي أم ولد الحاكم، هل كان للتحفظ على حياة الرجل وقد قال : إن لم يحي الله هذه مت أنا أيضا ؟ . والرائد لا يكذب .
وكان المجتمع في حاجة ماسة إلى حياته، أو كان لإبقائه في عقيدته .
وكان في نزوعه عنها خسارة أمة محمد صلى الله عليه وآله ؟ أو كان لكلا الأمرين مزدوجا ؟ وهل يعمان هما كل من يدعيهما في موت من يحبه ؟ أو يخصان بالحاكم ؟ أو يقصران على من شاء السيد باعلوي إحياءه ؟ مشكلات لا تنحل .

- 94 ـ
أبو بكر باعلوي ينجي المستغيث
ذكر شمس الدين العيدروسي في (النور السافر) ص 84 عن الأمير مرجان أنه قال : كنت في نفر من أصحاب لي في محطة صنعاء الأولى فحمل علينا العدو فتفرق عني أصحابي وسقط بي فرسي لكثرة ما أثخن من الجراحات فدار بي العدو حينئذ من كل جانب فهتفت بالصالحين، ثم ذكرت الشيخ أبا بكر رضي الله عنه، وهتفت به فإذا هو قائم، فوالله العظيم لقد رأيته نهارا، وعاينته جهارا، أخذ بناصيتي وناصية فرسي، وشالني من بينهم حتى أوصلني المحطة، فحينئذ مات الفرس ونجوت أنا ببركته رضي الله عنه ونفع به .

- 95 -
السروي يطير ويرسم للفأر
قال ابن العماد في شذرات الذهب 8 : 187 : توفي شمس الدين محمد السروي الشهير بابن الحمائل سنة 932، وكان كثير الطيران من بلد لآخر، وكان يغلب عليه الحال ليلا، فيتكلم بألسنة غير عربية من عجم وهند ونوبة وغيرها .
إلى أن قال : ومن كراماته : إنه شكى له أهل بلد كبير الفأر في مقات البطيخ فقال لرجل : ناد في الغيط : رسم لكم محمد بن أبي الحمائل أن ترحلوا، فلم يبق فيها فأر، فسأله أهل
/ صفحة 192 /
بلد آخر في ذلك فقال : الأصل الإذن ولم يفعل .
قال الأميني : تصك الآذان مكرمة الطيران من بلد إلى آخر، ولم تجدها في الأمم السالفة حتى في معاجز الأنبياء، مرحبا بأمة محمد صلى الله عليه وآله يوجد فيها من يطير بلا جناح موهوب لجعفر بن أبي طالب عليهما السلام الذي يطير به في الجنة، أو يتجول به في ذلك العالم اللطيف، ولا بدع إذ الأمة للرقي والتقدم، ويوم جعفر غير يوم أبي الحمائل، واكتشافات القرن العشرين غير القرون الأولى وعصور الأمم الغابرة .
ومن غلبة الحال على أهل الحال ليلا يتأتى التوسع في اللغات، ويمكن للرجل التكلم بأي لغة، إذا الليل له شأن من الشأن، ولغاتها غير لغات النهار، وهناك جزر ومد، ولف ونشر على قسميه : مرتبا ومشوشا، نعوذ بالله من هذيان الليل، وسفه النهار .
ولو كان في تلك البلدة لفيف من الهر لاحتمل تصديق هجرة الفئران، ولأغنوا الناس عن معجزة السروي، لكن كفيت الهررة القتال بابن الحمائل، فمرحبا به وبرسمه .

- 96 -
ذويب يمشي على الماء
قال في شذرات الذهب 8 ص 269 : توفي الشيخ علي ذويب سنة 947 وكان يمشي كثيرا على الماء فإذا أبصره أحد اختفى، وكان يرى كل سنة بعرفة ويختفي من الناس إذا عرفوه .

- 97 -
فتح الحجرة الشريفة للعبادي
كان سراج الدين عمر العبادي المصري الشافعي الإمام صاحب شرح قواعد الزركشي في مجلدين المتوفى سنة 947 لما حج وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحت له الحجرة الشريفة والناس نيام من غير فاتح فدخلها وزار ثم خرج فعادت الأقفال كما كانت رحمه الله تعالى(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شذرات الذهب 8 : 269 .

/ صفحة 193 /



- 98 -


زيادة النيل بأمر الصديقي

توفي الشيخ محمد بن أبي الحسن محمد - حفيد أبي بكر الصديق البكري الصديقي الشافعي المصري سنة 993، ومؤلفاته تنيف على أربعمائة تأليف، ومن كراماته إنه لما نقص بحر النيل في بعض السنين قال لعبده الحبشي مندل : إنزل يا مندل ! قل للبحر يقول لك الشيخ أبو الحسن البكري : زد .
أو نحو هذه العبارة، فقال العبد كما أمره، فما مضت ساعة يسيرة إلا وقد ظهر فيه زيادة كثيرة(1) .
مرت لدة هذه الكرامة في بحر النيل للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، راجع الجزء السابع ص 83، 84 ط 1 .


- 99 -


كرامات وخوارق

قال صاحب (النور السافر) ص 313 : كان الشيخ علوي بن الشيخ محمد بن علي من آيات الله الكبرى وهو من أمثال الشيخ، ومن مناقبه : إنه كان يعرف الشقي من السعيد، ويحيي ويميت بإذن الله تعالى، ويقول للشئ : كن، فيكون بإذن الله . إلى غير ذلك من الكرامات العظيمة والخوارق العجيبة التي لا يشاركه فيها غيره .


- 100 -


عجائب وغرائب

قال العيدروسي في (النور السافر) ص 85 : إعلم أن كرامات الأولياء حق .
والدليل على وقوعها موجود من المنقول والمعقول .
أما المنقول فهو ما ثبت في القرآن العزيز فصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من قصة مريم وجريح وغيرهم الذين ليسوا أنبياء ووقعت على أيديهم .
وما روي عن الصديق رضي الله عنه وكان أخبر عند موته امرأته تلد بنتا، وكانت إذا ذاك حاملا .
وعن الفاروق رضي الله عنه في قصة سارية المشهورة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النور السافر ص 429 .


/ صفحة 194 /

وعن ذي النورين رضي الله عنه في الرجل الذي دخل عليه وقد نظر إلى امرأة أجنبية فكاشفه بذلك .
وعن المرتضى رضي الله عنه في الأسود الذي قطع يده ثم ردها مكانها فعادت كما كانت .
وأما ما نقل من ذلك عن أولياء الله تعالى فكثير جدا، من ذلك ما وقع لبعض الأولياء وهو على جبل فقال : إن من أولياء الله من إذا قال لهذا الجبل : تحرك، لتحرك .
فتحرك الجبل من قوله، فقال له : أسكن إنما ضربت بك مثلا .
وكما قال ذو النون المصري للسرير : طف بالبيت .
فطاف ثم عاد إلى مكانه و كان هناك شاب فصاح الشاب حتى مات .
الكلام هذه مائة كرامة أو أسطورة أو أكذوبة أو قصص خرافة إلى مئات لداتها من الخوارق والقصص المبثوتة في حلية الأولياء لأبي نعيم، وتاريخ بغداد للخطيب، و صفة الصفوة لابن الجوزي، والمنتظم له، ومناقب أحمد بن حنبل له، وتاريخ الشام لابن عساكر، وتاريخ ابن خلكان، والبداية والنهاية لابن كثير، وطبقات الشافعية للسبكي، ومناقب أبي حنيفة للخوارزمي، ومناقب أبي حنيفة للكردري، وشذرات الذهب، ومرآة الجنان، وروض الرياحين، والكواكب الدرية، والروض الفائق، والطبقات الكبرى للشعراني، وتنبيه المغترين له، والفتح الرباني والفيض الرحماني، وأنيس الجليس للسيوطي، وشرح الصدور له، ولطائف المنن والأخلاق، وبهجة الأسرار للشيخ نور الدين الشافعي، وقلائد الجواهر للشيخ محمد الحنبلي، ومشارق الأنوار، والنور السافر، وتفريح الخاطر، وعمدة التحقيق .
إلى تآليف كثيرة من كتب التاريخ ومعاجم التراجم المشحونة بالمخاريق والطامات .


/ صفحة 195 /



خاتمة البحث (تعليق العلامة الاميني)

فذلكة المقام والقول الحاسم بعد هذه الأبحاث المطنبة المفصلة في غضون الجزء السادس وهلم جرا إلى هذه الصحيفة، في ذكريات الخلفاء الثلاثة، ومن بعدهم رابعهم : معاوية بن أبي سفيان، ومن اقتص أثرهم من الصحابة ومن بعدهم من الذين سموهم بالأولياء والأئمة والعلماء، من شتى نواحيها، إن الغاية الوحيدة هو تعريف الملأ الديني بالغلاة في الفضائل، ومن ذا الذي يحق له هذا الاسم (الغالي) ؟ هل هو في أولئك الذين تمسكوا بحجزة أهل بيت الوحي الرافلين في حلل الفضائل والفواضل، الممدوحين بلسان الوحي، ومنطق الذكر الحكيم، ونصوص نبي الاسلام عند فرق المسلمين جمعاء، ولقد طأطأت لهم المفارق، وخضعت لهم الرقاب، ولم يبقوا في مستوى المآثر و المفاخر مرتقى إلا وتسنموه، ولا مبوأ كرامة إلا وحلوا فيه ؟ ! أو هل تجد الغالي في هؤلاء الذين ذكرناهم أم في المقتصين أثر قوم ليس لهم نصيب من الفضل إلا أحاديث مفتعلة، وفخفخات كاذبة، وتمحلات باردة، وأساطير مسطرة، ولهم تاريخ حشوه المخازي تمضي معه الهفوات أينما سلك ؟ ! .
ومن هوان الدهر إن المربي بهؤلاء عن حدودهم، والمثبت لهم ما لا يثبته لهم العقل والمنطق، وما هو خارج عن طورهم، ومبائن لنفسياتهم لا يعد غاليا، ولكنما الغلاة هم المتحيزون إلى فئة الوحي، وأسرة النبوة، ومنبسق أنوار الهدى، الذين لا يطيش سهمك في أي مأثرة من مآثرهم ؟ ولا يخفق ظنك في أي من تقدمهم ورقيهم ونبوغهم، وهم المخولون من المولى سبحانه بأكثر من ذلك النزر اليسير الذي ذكرته لهم الرواة، ولهجت به أئمة الحديث، وحفاظ الأثر في المستفيض والمتواتر من الصحاح والمسانيد .
وإنما عقدنا هذه الأبحاث الضافية لتنوير البصائر وتنبيه الأفكار، حتى يميز القارئ الغالي من القالي، وما دعمته البرهنة الصحيحة الصادقة، مما أثبتته التافهات، ونسجته يد الافتعال والاختلاق .
ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآبائكم، ما نزل الله بها من سلطان، فانتظروا إني معكم من المنتظرين .




اقول : هذه تتمة كرامات خرافية لعلماء اهل السنة من كتاب الغدير ج 11 للشيخ الاميني قدس الله سره الشريف , ولو نسبناها لائمتنا عليهم السلام لكفرونا وهجموا علينا وقالوا هذا غلو وهم يرونها في حق علمائهم
والله المستعان

والحمد لله وصلى الله على نبينا واله الطاهرين واللعنة على اعدائهم اجمعين


 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق